تقرأ في عيون هذين الطفلين الأخوين مرارة المقارنة وهما يتحدثان عن تجربة المدرسة الكندية التي قضيا فيها سواد المرحلة الابتدائية مع والدهما المبتعث للدراسة. تشعر في أبسط الأحوال أنهما يتحدثان بطلاقة تنبع من رصيد ثري عن المدرسة الكندية، وعلى النقيض، تشعر أنهما في حالة استجواب عندما يكون السؤال عن المدرسة المحلية التي ينهيان فيها هذا الأسبوع عامهما الثاني من التجربة.

وجوهر المقاربة يكمن في أنهما سيبدآن بعد ظهر اليوم إجازتهما الصيفية قبل ثلاثة أسابيع من الموعد الرسمي في التقويم، بينما كانا في المدرسة الكندية يحتفلان بتطوع معلم لفتح المدرسة نهار السبت يوم العطلة الأسبوعية، وأحياناً تحت درجة حرارة من ثلاثين تحت الصفر. ما الذي يجعل من مدارسنا بيئة طاردة رغم أننا على رأس دول الكون في ميزانية التعليم مقارنة مع أعداد الطلبة؟ الجواب مباشر لا يحتاج إلى كثير من السفسطة. السبب لأن مدارسنا زحمة مخيفة في كل شيء. في المناهج. في الحشو. في التلقين. في عدد المقررات. في عدد الحصص، وباختصار فإن مدارسنا طابور عسكري لا يتناسب مع جسد طفل أو سلوك مراهق.

وخذ بالمثال أن المدرسة الابتدائية في كندا لا تلزم طلابها إلا بثلاثة مقررات: الرياضيات والعلوم ومبادئ الجغرافيا الأساسية. كل ما عدا ذلك يدخل في دائرة النشاط الذي لا يستلزم امتحاناً ولا درجات تقضم المعدل فيشعر الطالب بالاحتقان والتمرد.

هنا تتساءل لماذا صنع هؤلاء تقنية – النانو – ومازلنا في مرحلة صناعة قوافي الشعر؟ والجواب لأن ثقافتنا عقلية امتحان ومحاضر تحقيق. نمتحن الطالب في دينه، رغم أننا بالبراهين نعلم أن تأثير محاضرة لشيخ فاضل في عرض الأسبوع سيكون أعظم وأجمل في تقويم السلوك من كل الكتب المنهجية التي كتبناها له. حاكموهم على نبل الأهداف بامتحان الوسائل. نمتحن الطالب في لغته بألفي قانون للإعراب في التعليم العام ونحن نعرف أن 99% منهم لا يعرفون أنواع الفاعل والمفعول به في نهاية الثانوية. نحن نجبرهم على كراهية اللغة بعمد وقصد. نحشرهم بعشرين مادة وأربعين حصة في الأسبوع وثلاثمئة امتحان فترة أو نهائية في العام دون أن نمتحن سؤالاً جوهرياً: لماذا يكره هؤلاء المدرسة؟