عزيزي القطار: أعرف أنك تمتلك تاريخاً عريقاً على مستوى العالم، وأعرف أنك تركت العديد من الذكريات المحببة في قلوب مستخدميك وعشاقك، كما أعرف أنك وصلت لمراحل من التطور في السرعة والتجهيزات تضاهي الطائرات وأفخم اليخوت والسيارات.

عزيزي القطار: أعلم أنك أصبحت في كثير من بلدان العالم الخيار الأول للتنقل الممتع الذي يمنح الراحة والاستجمام مع الدقة في مواعيد الانطلاق والوصول إلى المقصد، وأثق في أنك تشكل معالم حضارية تزيِّن مدن وعواصم كثير من بلدان العالم، بل كذلك عواصم دول خليجية وعربية قريبة، إذ تضج محطاتك بالحركة وتحتضن معارض فنية وأسواقاً ومتاجر تعرض كافة الماركات العالمية؛ حتى أضحت محطاتك أماكن للتنزه والتسوق والاستجمام.

عزيزي القطار: للأسف ما زلت تعاني وتترنح في بلادي، تارة بسبب درجات الحرارة المرتفعة، التي عجزت إحدى الشركات العالمية عن إيجاد حل لها، وأخرى من خلل في البرمجة، وسوء في الإدارة، وثالثة بسبب سرقة القضبان، ورابعة بسبب الزحف الصحراوي، والقائمة متعددة ومتنوعة.

عزيزي القطار: أُشفق عليك وأنت لا تمتلك سوى الأنين والألم اللذين يضطرانك لرفض العمل والتوقف انتصاراً لتاريخك ومجدك الذي لا يضاهيه مجد في بقية دول العالم.

أعرف عزيزي القطار أن الاهتمام بك في بلادي لم يبلغ أوْجَه، وأنك لا تنال ما يناله إخوانك وأشقاؤك وأقاربك في كافة أنحاء المعمورة ، فالتصريحات المتفائلة بجعلك صنواً لقطارات أوروبا لم تُحسِّن من أوضاعك المتردية، ومجموعة الخبراء الذين تم استقدامهم لإزالة معوقات نهضتك وتطورك فشلوا في مهمتهم، حتى إن المبالغ الضخمة التي تم تخصيصها لجلب قطارات جديدة تماثل تلك التي تعمل في بقية دول العالم، لم تفلح في أن تجعل عجلاتك تدور أكثر من أيام، فلك العذر حتى ترضى عزيزي القطار.

وأعتذر لك عزيزي القطار، عما لحقك من "تشويه" لتاريخك وماضيك العريق في بلادي، وأتمنى أن تفهم يا عزيزي القطار أن الرمال "الزاحفة" جزء من تكوين بلادي، فـ "الزحف" جزء من البيئة التي لا نستطيع التحكم بها وعليك التكيف معها، كما أن درجات الحرارة المرتفعة فرضتها علينا بيئتنا.

عزيزي القطار: ليس للشركات المصنعة لا سمح الله أي ذنب في الفشل من تمكينك من التكيف مع بيئتنا، على الرغم من الأموال الضخمة التي ضخت تحفيزاً لهم، حتى يبدعوا في صناعة قطار يلائمنا، فعقولهم تعجز عن استيعاب واقعنا ومتطلباته.

عزيزي القطار: لا تغضب، ولا تحزن، فنحن عجزنا عن محاسبة المقصرين في حقك، وفشلنا في مجاراة العواصم والدول العربية والعالمية في ربط مدننا بقطارات تماثل الموجودة فيها، حتى إن هيئة الفساد التي تم تكوينها خصيصاً لملاحقة المقصرين ومجابهة الفساد، تعمل بعيداً عن المشاريع والعقود الكبيرة، ولا أظن أنه يتم تزويدها بنسخ من العقود والاتفاقات المبرمة في المشاريع الضخمة، فقد تعودت الهيئة ملاحقة الفساد بعد وقوعه، ذلك أن الهيئة رغم دورها الملاحظ والظاهر منذ تكوينها في مواقف عدة، إلا أننا لم نشعر بوجودها في المشاريع الكبيرة، وركزت كثيراً على طرح التساؤلات حول مبانٍ لمراكز صحيه ومدارس مستأجرة، وخلاف ذلك من المشاريع الصغيرة التي لابأس بملاحقتها أيضاً. ومن غير المنطق أن تقول لنا الهيئة: كونوا مطمئنين فالمشاريع الكبيرة كلها بعيدة عن شبهة الفساد، رغم تعثر الكثير منها وفشلها في بعث الاطمئنان.

عزيزي القطار: أودعك على أمل أن أبعث لك في المستقبل رسالة مختلفة تحمل التهنئة لا الاعتذار!