لا توجد منطقة في مملكتنا مترامية الأطراف، إلا ولها تاريخ يزخر بالمجد والبطولات، ولا ينكر هذا الأمر إلا من يجهل بالتاريخ، فشعب هذا البلد هم أهل تاريخ وأمجاد، فقد سجل التاريخ أن من كل منطقة من مناطق الوطن، خرجت ألوية شاركت في توحيد البلاد، ونشر وتعليم الدين الحنيف.

ومع هذا نسمع من حين لآخر من ينتقص أو يسخر من منطقة أو إقليم بعينه، دون مراعاة لدين أو خلُق أو شيم العرب الحميدة، التي عندما أتت الشريعة السمحة ثبتت هذه العادات الحسنة وأصبحت من آداب الإسلام، كـ«لا يسخر قوم من قوم وألا يتنابزوا بالألقاب»، وغيرها من التعاليم الربانية التي تنبذ التعالي والفوقية والعنصرية المقيتة.

والعنصرية تتفرع لعدة فروع، منها ما هو تعنصر وتحزب لدين أو عرق أو لون وغيرها، والعنصري هو المتعصب والمتحزب المنحاز لفئته التي ينتمي إليها بتطرف وغلو، إما دينيا أوعرقيا أو جغرافياً، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال «العنصرية المناطقية».

عندما نتحدث عن العنصرية في المملكة فإننا نجد كأنها محصورة في زاوية معينة كالقبلية أو العرقية، العنصرية العرقية أو عنصرية اللون ليست وليدة اليوم، فهي العنصرية السائدة في جزيرة العرب منذ قرون، حتى أتى الإسلام وجمع وألف بين القلوب، ولم يفرق بين عربي وعجمي، أبيض كان أم أسود، فقد قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، في خطبه الوداع «يا أَيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بِالتقوى، أبلَّغْتُ ؟ قالوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، قال: ليبلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».

وأيضاً هناك العنصرية القبلية، وهي أيضا لها حضور قوي في المجتمع، لكن يجب أن نفرق بين القبلية كانتماء وبين القبائلية كعنصرية بغيضة، فالقبيلة انتماء وفخر ونسب، ولكن لا يجب أن تحرف إنسانيتنا وما علمه لنا ديننا بألا ننتقص الآخرين، وأن الأفضلية دائماً للمتقين، كما ذكر الله تعالى في كتابه الكريم.. بينما هناك عنصرية تنمو خلف الأقنعة منذ سنوات طويلة، تزداد عقدا بعد عقد، حتى أصبحت أشد عتواً وأقوى حضوراً ألا وهي العنصرية المناطقية.

وللأسف هي موجودة في كل الأماكن حتى بين بعض المثقفين والأدباء ومن يحملون الشهادات العليا، وعندما أتيحت مواقع التواصل الاجتماعي للجميع، رأينا هذه الظاهرة، يُرفع عنها الغطاء، وتخرج نتنها للمجتمع، فلا يكاد يمر يوم حتى نرى من يسيء لمنطقة معينة وأهلها، ولا يكاد يمضي وقت وجيز حتى نرى الأجهزة الأمنية تقبض على المسيء الفلاني الذي أساء للمنطقة الفلانية وأهلها، وهم كُثر. ما الذي دعا لها؟ وهل اقتنع هؤلاء العنصريون أنهم أفضل من غيرهم حقيقة! علماً بأن الجميع يعلم أن أساس التفاضل هو التقوى، قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)..

العنصرية المناطقية أو الإقليمية تنمو يوماً بعد يوم في مجتمعنا، ويجب علينا جميعا نبذها، والدعوة لمحاربتها بكل السبل. إن تجاهلناها، وقلنا إنها لا تعدو كونها سلوكيات فردية، فنحن نقوم بتمثيل الأكذوبة على أنفسنا أولاً، وعلى المجتمع ثانيا، هناك دول متقدمة تعاني من هذا الأمر وذاقت منه الأمرين، حيث إنه أصبح هاجسا يؤرق، وملفا شائكا لتلك الدول، لكن بالنسبة لنا كمجتمع محافظ متدين متمسك بالقرآن والسنة، فالوازع الديني والذي هو قوة شعبنا، هو من وقف أمام تيار هذه العنصرية.

إن عمل كل منا بدوره في نبذ تلك العنصريات، وتنبيه الأجيال القادمة بأنها مجرّمة ولا تصح، وأنها ضد دينهم وأمنهم ووحدتهم، نكوّن حصنا وسدا منيعا بيننا وبين هذه الفتن المستترة. وأيضاً يجب أن تغلظ العقوبات لكل من يلفظ بمصطلح أو كلمات لها دلالة على منطقه بعينها أو إقليم بعينه.

أنت أيها المتعنصر أو المتحزب، لا تدع نفسك توهمك بأنك أفضل من غيرك، فعنصريتك داء لا يصيب دينا أو لونا أو منطقة، بل يصيب عقلك الذي ميزك الله به بين المخلوقات.