سأجعل السطور الأولى من هذا المقال خاصة بتفاخر زعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله بعدد مقاتلي حزبه الذين يفوقون 100 ألف مقاتل «وهم مجرمون»، وبأنهم يدافعون عن البلاد ضد الأعداء.

الجميع يعلم مساهمته بقتل وتشريد الشعب السوري، وصب الزيت على النار في اليمن، ومملكة البحرين، والعراق. سأتوقف عند هذا الحد في التعليق على تصريحات نصرالله، لوجوده في ثنايا القول، وذلك ضرورةً يفترضها إرهاب عمامته.

والقضية الأكبر منه هي أن لبنان دخل مرحلة تصعيد جديدة تشبه إلى حدٍ كبير أحداث 7 أيار عام 2008، الفرق في التوقيت فقط، إنما القتال الذي نشب الأسبوع المنصرم وذهب ضحيته أكثر من 6 أشخاص وإصابة 30 جريحا على الأقل، يشترك مع تلك الأحداث في عدة عوامل: البلطجة على يد التابعين لميليشيا حزب الله الإرهابي، والسلاح السائب، والإشارة القادمة من طهران، ومحاولة تعطيل الدولة وإخراجها عن المحيط. ما أشعل الفتيل، رفض حزب الله وحركة أمل وتيار المردة – ثالوث أشباح الحرب - بقاء المحقق العدلي طارق البيطار، الذي يتولى مسؤولية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، لماذا؟. لاتهامه بتسيس القضية!.

من البديهي أنها سياسية بما لا يدع للشك مجالا، لوجود غطاء سياسي لدخول تلك الكميات من المواد المتفجرة.

لكن في الحقيقة ما الذي أثار الحزب والحركة والتيار؟. الجواب: اتهام القاضي بيطار لوزير المال المنصرف التابع لحركة أمل علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس التابع لتيار المردة بتهم الإهمال على خلفية الانفجار، ماذا يتضح بالمحصلة؟.

ثمة من يتحاشى مثول الوزيرين أمام السلك العدلي اللبناني خوفاً من انفضاح المستور. وتنكشف الخشية من أن تطال نتائج التحقيقات مزيداً من المنتمين للتحالف الثلاثي السابق ذكره، من خلال كلمة نصر الله الأسبوع الماضي، حين حذر قبل نزول «زعران» حزبه إلى الشارع لترهيب اللبنانيين، من «كارثة ستنقاد إليها البلاد فيما لو استمر القاضي بنفس الطريقة والأسلوب»؛ وبرر بأن ما يحصل خطأ كبير، ولن يوصل إلى الحقيقة.

اعتقد أن حديث حسن تضمن رسائل مُبطنة؛ أقرب إلى وصفها بـ«التهديدات»؛ أبرزها «الكارثة» التي قصدها، فقد حدثت بالفعل، وتأكدت بنزول التابعين لحزبه والمتحالفين معه إلى الشارع بالسلاح الخارج عن نطاق الدولة. وذلك لن يحدث إلا بأمرٍ من زعماء أحزابهم السياسية، الذين يمتثلون لأمره، وأعني هنا زعيم حركة أمل ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري؛ الموجود في السياسة منذ أن كان «ذاك الصغير» يحمل حقيبته من حوزة إلى أخرى، في النجف وقُم.

وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية الذي يُصنف نفسه سليلاً لبيتٍ سياسيٍ عريق، إلا أن الخط السياسي التاريخي لأسرته اختلف بعد خضوعه لمجرم الضاحية،وهذا عارٌ أخلاقي يُحتم سقوط الزعيمين، في وحل الرذيلة السياسية.

أعتقد أن زعيم ميلشيا حزب الله أراد تمرير «قنبلةً كلامية»؛ حين قال «ما يحصل لن يوصل إلى الحقيقة»، ليسمعها ويخشى منها رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، لكن المقصود بها بالدرجة الأولى القاضي بيطار، ومفادها أن «قتلك أقرب من الحقيقة التي تبحث عنها»، وهو يعني ما يقول، وتاريخه الإجرامي يشهد على ذلك، فقتل بيطار وارد، ليضاف إلى من سبقه في قوائم التصفيات السياسية. هذا في الإطار الداخلي. أما في الآخر الإقليمي، فيصعب بحسب ما أرى، فصل ما حدث في لبنان، عن المحادثات السعودية – الإيرانية، التي وصفها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بأنها «كانت ودية؛ لكنها لم تُحقق تقدماً ملموسا».

ماذا يعني ذلك؟، يعني أن باب الحوار أغلق من قبل السعودية (وذلك مصدر قوة)، وليس من الطرف الإيراني الذي هلل فرحاً (وهذا موقف ضعف)، بقبول الرياض لفكرة الجلوس على الطاولة فقط، لماذا؟.

لأن طهران متمسكة بعدة أمور: أولها تسريع أنشطتها النووية، وانتهاك الاتفاق النووي؛ والصواريخ الباليستية. وثانيها: التدخل في شؤون المنطقة، وما شهده لبنان من هرج ومرج الأيام الماضية، ليس ببعيد عن التدخلات الإيرانية في المنطقة، من خلال فرض أمرها وتنفيذه من على يد مندوبها الرخيص في الضاحية الجنوبية لبيروت.

لا أعلم متى يُدرك أتباع إيران من لبنان إلى غزة وصنعاء والعراق، أن حساباتهم مصيرها الفشل، وفقدان التأييد والتعاطف، نتيجة أن البندقية التي يتغنى بها من يسمي نفسه «محور المقاومة» لم تطلق يوماً من الأيام رصاصة واحدة نحو «إسرائيل» العدو المفترض، بل تحولت لصدور العرب المكلومين، على أيدي أنظمة بطش، كنظام بشار الأسد في سورية، وحوثي صنعاء، وحماس غزة، وحزب الله لبنان.

أستطيع القول إن ما حدث في لبنان من محاولات مارقة لتعطيل سير المحكمة وخلط للأوراق؛ يعتبر رد فعلٍ على ما يشهده الإقليم، وهو بالوقت ذاته نسف لكل أشكال الوطنية على حساب الحزبية، في دولة معطلة بأساسها، ولا تُلبي أبسط مقومات الحياة لإنسان يحلم بالمواطنة التي تكفل له ملامسة وتحقيق أدنى الطموحات والآمال.

إن العزف على أوتار «سوسيولوجيا الجماهير»، بات غير مُجد مع مجتمعات اندفعت بالوعي؛ لربط قرائن تلاعب تلك التكتلات على عقولها، بواقعها المحفوف بالدم والنار، لذا سينتهي هذا المشروع عند أقرب مفترق طرق، حتى إن طال الأمد.

ماذا تعرف عن السياسة في لبنان؟ الأنانية، والرعب، والمراوغة، والكذب، والتسويف، وأذناب الخارج، وسفك الدماء؛ والبكاء عليها. ورئيسٌ قال ذات مرّة إن «الدولة في طريقها إلى جهنم»!.

وأكثر من ذلك. المساحة تتسع. لكن الحبر خسارة. هيك بيكفي.