كما يشير الباحث هاري ويديك إلى الرحالة جورج أغسطس والين «1811 - 1852» والذي اختار هو الآخر، كسلفه من الرحالة، اسما مستعارا وهو «ولي الدين» ويشبهه الباحث وديك بالرحالة السويسري «بيركهارت» «1784 - 1817» من حيث إنهما جمعا بين تخصصين، أحدهما لغوي، والآخر هو السياحة في البلاد العربية والإسلامية.
ويذكر أغسطس رالي أن «والين» ولد في جزيرة آلاند، ثم هاجر مع أسرته إلى فنلندا، ويضيف وديك أنه درس الطب بالعاصمة الروسية، مشيرا أيضا إلى ناحية هامة وهي أنه - أي والين - قد تنكر كشخص مسلم، ودخل مكة عام 1845، وفي الوقت الذي يكتفي وديك بهذه المعلومات القليلة نسبيا عن ولي الدين، فان رالي يذهب إلى شيء من التفصيل عن هذا الرحالة: وهو أنه شد الرحال في رحلة صحراوية عبر شمال الجزيرة العربية، ورافقه في البداية بدويان، وسلك طريق حجاج مصر، وبعد جهد جهيد وصل إلى حائل، هناك أحبطت نيته في عبور صحراء نجد إلى الخليج العربي، لافتقاده إلى المال وللقتال الذي كان يجري بين القبائل، لذا قطع رحلته ورافق قافلة الحج العراقي والفارسي، إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة.
لكن يبدو أن المقارنة بينه وبين الرحالة بيركهارت كما ذكر «وديك» غير دقيقة، حيث إن والين لم يدون ملاحظاته أو تفاصيل رحلته، بالشكل الذي قام به بيركهارت، والذي يبرهن ويدلل عليه كتابه الموسوم «رحلات إلى شبه الجزيرة العربية 1829».
ويعلل رالي عدم تدوين والين ما يمكن أن يطلق عليه مسمى «ملحوظات» أو مشاهدات، هو ما لقيه من الحجاج «الفرس» من متاعب، والذين يصفهم بأنهم مزعجون ومتعبون، ولهذا الشعور السلبي عنده إزاء الفرس وصف بأنه يبدو وكأنه مسلم متشدد، مع أنه لم يشر إلى اعتناقه الإسلام، قبل قيامه بالرحلة أو بعد انتهائه منها، ولكن يبدو أن شخصيته كانت تتسم بالغرابة، إن لم يكن الإضطراب، فكما أخفق في تدوين شيء ذي قيمة علمية عن الديار المقدسة، أخفق كذلك في رغبته في عبور صحراء نجد، حيث اكتشف البعض حقيقة ديانته النصرانية، وأن تنكره في زي مسلم، لم يمنع سكان بادية نجد بصفائهم الذهني وقدرتهم على الاستشراف، من بلوغ حقيقة دوافعه الاستشراقية، وهذا ما اضطره إلى الهروب إلى البصرة في العراق، حيث أنقذه بحار إنجليزي.
1997*
* كاتب وأكاديمي سعودي «1953 - 2020».