لم يكن تعيين الرئيس التونسي، قيس سعيد، المهندسة الدكتورة نجلاء بودن رئيسة للحكومة، ثم تعيين أربعين في المائة من أعضاء الحكومة من النساء قرارا تجميليا ولا ترميميا، بل كان نتيجة طبيعية لمسار تقدم المرأة في المجتمع التونسي الذي قاد الوطن العربي.

لا أحد لا يعرف الفقيه الإصلاحي التونسي الطاهر الحداد، الذي درس في جامعة الزيتونة العريقة، وأصدر 1930 كتابه الشهير «امرأتنا في الشريعة والمجتمع»، الذي دافع فيه عن تحرير المرأة، ومنحها حقوقها التي كفلها الدين ومنعها المجتمع، بما جر عليه نقمة المؤسسة الدينية، فتوفي 1935 محبطا معزولا.

إلا أن المشروع التحديثي، الذي تبناه الرئيس الحبيب بورقيبة، كان من مرتكزاته تحرير المرأة، ومساواتها في الحقوق مع الرجل، بما عكسته مجلة «الأحوال الشخصية»، التي صدرت في عام الاستقلال 1956، متقدمة على جل دول أوروبا نفسها. لقد كفلت هذه المدونة أهم حقوق المرأة من منع تعدد الزوجات، والطلاق التعسفي، والعنف الجسدي على المرأة، وكرست مبدأ الشراكة المتساوية بين الرجل والمرأة في إدارة شؤون الأسرة. وما لا يعرفه الكثيرون أن هذه المدونة شارك في تصورها وصياغتها علماء تونس البارزون، وفي مقدمتهم المفتي الفضل بن عاشور.

فعلى عكس ما يقول الإخوان والمتشددون، لم يكن «بورقيبة» علمانيا أو معاديا للدين، بل إنه راعى في إصلاحاته الاجتماعية أحكام الفقه الإسلامي، وانفتح على كل المذاهب والأقوال الشرعية. ولقد تواصلت هذه الإنجازات في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، والرئيس السابق الباجي قايد السبسي، ولم تستطع حركة «النهضة» الإخوانية الوقوف ضدها.

فما حققه الرئيس الحالي قيس سعيد هو المحطة الطبيعية لمسار التحول الاجتماعي لمصلحة حقوق المرأة التونسية، تجاوبا مع حيوية نشاط الحركة النسوية المدنية التي تجسدها جمعية «النساء الديمقراطيات»، التي كانت من بين الأطراف التي ساندت بقوة القرارات الإصلاحية الجريئة التى اتخذها الرئيس قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021.

ما نريد أن نؤكده هو أن أي إصلاح ديمقراطي لا يستوعب المطالب الحقوقية للمرأة لا يمكن أن يكون فعالا ولا مجديا نتيجة اعتبارين أساسيين:

-1 إن العدالة في الحكم تقوم في جوهرها على فكرة المساواة بين مكونات المجتمع، ولا شك أن أهم دوائر المساواة هي ما يتعلق بالنوع، أي بالعلاقة بين الرجل والمرأة، فكل تمييز أو إقصاء للمرأة هو بالضرورة انتهاك للمبادئ الكبرى التي تقوم عليها الدول، لذلك لا سبيل لبناء منظومة حقيقية للمواطنة المتساوية دون منح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل في مواقع السلطة والتمثيل ومراكز القرار والتأثير.

-2 إن الديمقراطية هي من آثار ونتائج عملية التحديث التاريخي والاجتماعي، وبالتالي فهي مرتبطة أشد الارتباط بخطاب تحرير المرأة الذي هو من أساسيات قيم الحداثة في قطيعتها مع التقاليد الاجتماعية البالية، والأرث السلبي للهيمنة الذكورية التي هي إحدي وجوه البنية التسلطية للمجتمع المغلق الاستبدادي.

تونس على باب إصلاحات ديمقراطية جوهرية، بعد عشرية سوداء من الفوضى والخراب، وتمكين المرأة ودفع مطالبها الحقوقية أصبح اليوم من المؤشرات الإيجابية للتحول المنظور لبناء دولة عادلة.