قبل أكثر من عشر سنوات كنت مسؤولًا عن حرس الحدود في أرخبيل فرسان بمسمى قائد حرس الحدود بقطاع فرسان، وهو من أكبر قطاعات حرس الحدود بمنطقة جازان وكانت المعلومات أن أرخبيل فرسان مكون من عدة جزر لا تتعدى الخمس والتسعين جزيرة، ولكن بعد دراسة ميدانية أجريتها أنا وأحد الزملاء وهو العميد البحري حمد إسماعيل البر، أثبتنا بالإحداثيات والصور أن أرخبيل فرسان يتكون من جزر تعدادها مائتان واثنان وستون جزيرة أكبرها فرسان الكبير والسقيد، يربط هاتين الجزيرتين جسر للتنقل مشيا على الأقدام أو بواسطة السيارات بمختلف أنواعها.

ويوجد بين هذه الجزر ألفان ومائتان وست وخمسون صخرة، وسته وثلاثون ضحضاح، وقد ثبتنا هذه المعلومات بالإحداثيات والصور في كتاب "جزر فرسان" يحوي صورا في أربعمائة وأربع وأربعون صفحة، وقد استغرق إعداد هذه الدراسة الميدانية أكثر من أربع سنوات، وقد شعرت بجسامة المسؤولية فهو قطاع كبير والدليل أن محافظة فرسان من الفئه (أ)، وكان المحافظ في ذلك الوقت ذو خبرة عالية، فقد كان يعمل في أغلب محافظات جازان كمحافظ قبل فرسان، وكان يتصف بالحكمة والرأي السديد ويبذل قصارى جهده لمساعدة حرس الحدود في أداء واجبهم إنه خالد حمد القصيبي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فقد كان منزله مفتوحًا مساء كل يوم ويجتمع فيه الأدباء والكتاب والشعراء وفي مقدمتهم الشاعر الأديب إبراهيم مفتاح أطال الله في عمره.

لقد كانت جاهزيتنا في حرس الحدود لمواجهة محاولات التهريب والقيام بعمليات الإنقاذ ممتازة حيث كانت الإمكانيات متوفرة من الناحية البشرية والمعنوية، وتوفير المعدات من سيارات ووسايط بحرية، وكان علينا أن نبذل الجهود أنا وزملائي لأداء مهامنا على أكمل وجه، إضافة إلى أنه بعد الاتفاقية على ترسيم الحدود بين المملكة واليمن سمح لقادة القطاعات الحدودية في جازان الاتصال بنظرائهم في الطرف الآخر، و أسهم ذلك في عمليات الإنقاذ بصفة خاصة.

وتعتبر فرسان منطقة سياحية تعداد سكانها في ذلك الوقت حوالي ثلاثين ألف نسمة بها جميع الخدمات، شاملة مستشفى كبيرا وأماكن كثيرة للتنزه بما فيها المحميات التي يعيش فيها غزال الآدمي والتي يقدر تعدادها في ذلك الوقت بحوالي ثلاثة آلاف غزال.

وكان كثير من السكان يمارس صيد السمك كمهنة، والبعض الآخر كهواية وتنزه، وقد وضعنا تنظيما مستداما لكلا الفئتين حفاظا على أرواحهم، ففي أحد الأيام أبحر أحد أهالي فرسان الذي يعمل حارس أمن في مستشفى فرسان، في الثلاثينيات من العمر بقارب ٧ يملكه بمكينة علاقي، وكان إبحاره صباحا وكان من المفروض أن يعود في السابعة مساء إلا أنه لم يعد.

على الفور بدأت زوارقنا بالبحث عنه وتم التنسيق مع قيادة القوات البحرية الملكية السعودية في جازان لإرسال طائرات هليكوبتر للمشاركة في عمليات البحث عن المفقود، وقد تم ذلك واستمر البحث لمدة أسبوعين بَموازاة الساحل وبعمق يزيد عن العشرين ميلا، وبعد التأكد من عدم العثور عليه توقف البحث، وقد اعتقد الكثيرون أنه فارق الحياة بما فيهم أقاربه، ولكن الأمل ظل موجودا، فقد اتصلت بنظيري اليمني وشرحت له ماحصل مبينا له الشك من أن تكون الرياح قد جرفته إلى أحد الجزر اليمنية، وأوضحت الوقت الذي أبحر فيه المفقود ومواصفات القارب والشخص، فأبدى الاستعداد للبحث والإفادة بما يتم، وبعد أكثر من عشرين يوما اتصل بي وكانت البشرى، العثور على الشخص وقاربه، موضحا أن العواصف الشديدة وارتفاع الأَمواج تسبب في عطل مكينة القارب، وأصبحت سرعة واتجاه الرياح هي المتحكمة في القارب، فجرفته إلى القرب من جزر دهلك التابعة لأريتري، وعثر عليه صيادون من إريتريا، وهو بحالة يرثى لها بين الحياة والموت، فتم إسعافه وإنقاذه والإبحار به باتجاه السواحل اليمنية، و تسليمه هو وقاربه للسلطات اليمنية، وقال إنه سوف يتم تسليمه لنا في المكان الذي يتم تحديده من قبلنا، و عمت الفرحة عائلته وأقاربه، وتم التنسيق مع القيادة ليكون استلامه في جزيرة رامين السعودية وهي جزيرة رملية كبيرة نسبيّا تقع في أقصى الجنوب بالنسبة لجزر الأرخبيل على مقربة من خط الحدود البحرية مع اليمن، بمواجهة جزر مرين والرافع والبري اليمنية

وتبعد عنها شمالا مسافة ٢ ميل بحري، بها مركز لحرس الحدود مع رصيف للوسائط الرسمية، وتم إحضاره إلى رصيف المركز، و استلام المفقود وقاربه وتقديم الشكر لنظيري اليمني وزملائه، وسلمناه إلى أهله وهو بصحة جيدة، وعاد لعائلته سليما معافى، وهذا بفضل الله ثم بفضل جهود الدولة ممثلة في حرس الحدود. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين قادة لهذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية.