حين يصل الخائن إلى عدم الاكتراث والمجاهرة بخيانته، فهذا يعني أنه بلغ في عقله الباطن أقصى سقف لمراحل الشجاعة. والحقيقة غير ذلك، إذ أن الافتراضية لذلك الشجاع تتمثل في بخس ثمنه لدى من استأجره واستخدمه لتنفيذ أوامره أو أجندته أو ما شابه.

وعند الكثير ممن يعرفون حقيقته، والأمثلة كُثر بكل أسف في العالم العربي على من يتقمصون تلك الشخصيات المريضة.

من لبنان إلى بغداد وغزة، وحتى صنعاء. فقد صنعوا لأنفسهم رمزيةً كاذبة لدى بعض التافهين في أوساط الرأي العام العربي، وهم بنهاية الأمر موصوفون بـ«الرخص وتدني القيمة الأخلاقية والمعنوية».

فالصفة الحقيقية لهم «خونة» يرتدون أقنعة لا تناسب منهجيتهم وسلوكهم السياسي.

فذاك الذي يُناهض سياسة بلاده في لبنان ويعارض كل شيء؛ من تشكيل الحكومات، إلى الاستماع لمطالب الشعب التي لم تتجاوز تدني ليرات رغيف الخبز، وحتى مناحرة سيادة العدالة، بينما يُساند في سورية رغبات الحاكم الذي يحكم بالحديد والنار؛ يُشبه في سلوكه الذي أطلق في بغداد آلاف الإرهابيين للمشاركة في حروب قذرة، فيما اتهم دول الجوار بدعم الإرهاب؛ وهو إرهابيٌ بالاسم والصفة والتوابع، أو هذا الذي شتت الشمل في غزة وأضاع كثيرا من الفرص على القضية الفلسطينية نتيجة خلط حركته «حماس» للمفاهيم بين منهجية الإخوان المسلمين والولي الفقيه، وصولًا إلى ابن الكهوف في اليمن، الذي انقلب على الحكومة الشرعية بقوة السلاح القادم من الخارج؛ وتجرأ على قصف مكة المكرمة، واستفز أكثر من مليار مسلم دون اكتراث، ليُحقق أهداف من يمنحه حفنة من المال السياسي الذي يُعبر عن قيمته الرخيصة.

فوجود تلك الشخصيات يفترض قراءة المشهد بالشكل الصحيح، كيف؟.

من خلال فهم أمن العقاب؛ واعتبار أن القانون الدولي يقوم على كثير من عوامل المزاجية وعدم الانضباطية، والتفرقة، والابتعاد عن العدل، وعدم وضع المجرمين في العالم في سلةٍ واحد وتحت طائلة الحساب الدولي؛ أو ميزان العدل الإنساني.

والدليل على تلك المزاجية، هو قيام حروب طاحنة شُنّت بناءً على كثير من الخداع السياسي.

كالحرب على العراق التي يصفها البعض بـ«الاحتلال الأمريكي»،ودخول قوات عديد من الدول على رأسها الولايات المتحدة لأفغانستان، ونتج عن ذلك حرب استمرت أكثر من عقدين من الزمان؛ يفسرها الكثير بأنها «غزو مكتمل الأركان».

لذا يصح القول إن ميزان العدل غير منضبط نظير المعايير المنقوصة التي يتخذها أساسًا له.

أتخيل لو كانت ميليشيا «حزب الله» الإرهابية على حدود الولايات المتحدة الأمريكية بـ«مئة ألف مقاتل» الذين أعلن تبعيتهم لحزبه حسن نصر الله، والخمسة آلاف صاروخ إيراني التي يمتلكها؛ أو لو كتب الله أن يكون نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق «الإرهابي» في العراق؛ زعيما لجوقة متطرفة تقبع على مسافةٍ مُتاخمة لفرنسا، أو أن عبدالملك الحوثي زعيم الحوثيين في اليمن، قادته الأقدار إلى أن يُصبح مؤثرًا في ألمانيا؛ ويُمكنه من خلال الديمقراطية أن يجلس على ذاك الكرسي العتيق لأنجيلا ميركل؛ أو لو أصبحت ميليشيا متطرفة كالحشد الشعبي العراقي أو حركة حماس الغزاوية قريبةً من بريطانيا العظمى؛ على أي شكل سيكون ميزان العدالة، وكيف سيصبح المجتمع الدولي وقتها !.

من الطبيعي أن يعيش العالم حالة توتر بما في ذلك مجلس الأمن الذي يتعامل بانحياز واضح تفرضه كثير من عوامل العنصرية، وربما الغباء السياسي، من ناحية التعامل مع قضايا المنطقة العربية.

فقد تحول المجلس إلى مجموعة تنتظر تحصيل رسوم سنوية تدفعها دول منتظمة، وتتأخر عنها أخرى عكس ذلك، وثمة ما يشير إلى أن الصمت المتكرر من قبله، الذي أعنيه بالانتقائية السياسية، هو الذي استند عليه في عدم إدانة التطاول الحوثي على المملكة العربية السعودية.

وحتى إن جاء ذلك الرفض متأخرًا وفي شكله باهتًا، إلا أنه لم ولن يؤدي الغرض السياسي المنشود من مثل هذه الإدانات على الصعيد الوظيفي الذي يفترض على المجلس القيام به من تلقاء نفسه.

أعود لصلب موضوع الخونة، وأقول إن الوقائع ثبت بما لا يدع للشك مجالا، أن كثيرا من أولئك المرتزقة استفادوا كثيرا من حالة السكوت والصمت الدولي، وإلا كيف لمجرم كنصر الله ثبت ضلوعه في حروب المنطقة على أساس مذهبي طائفي مقيت، كالحرب السورية -وهي حربٌ ذات طابع خاص بين نظام وشعب دولة واحدة- ووقوفه إلى جانب ميليشيات الإرهاب العراقي الشيعية، ومساندة أنصار الله في اليمن «جماعة الحوثي»، وحركة حماس الإرهابية في قطاع غزة المحتل من قبل الحركة وليس إسرائيل، الاستمرار بهذا المستوى من التمرد؛ لو لم يفهم ذلك الصمت على أنه رسالة تُعبّر عن رضى من قبل العالم تجاه سياسات حزبه الطائفي، وهو بالوقت ذاته حوّل الميليشيا، للتعامل بمنطق الدولة، داخل لبنان وخارجها، وباتت تملك صوتا مرتفعا، ورأيا في قضايا السياسة العالمية، لطالما أبداها زعيمه «حسن الصغير».

الواضح أن تجاهل محاسبة وإيقاف تلك المشاريع الميليشياوية بقادتها الخونة، وعلى رأسها مشروع حزب الله، القائم على الإرهاب وتجارة المحظورات والمخدرات، أصبح بمثابة مثال يُحتذى به، وفتح المجال لمزيد من الكيانات التي قد تكون في شكلها سياسية، إلا أنها عبثية إرهابية ستتجاوز في ضررها المنطقة، لتصل إلى العالم أجمع.

وما محاولات تهريب المخدرات التي تستهدف المملكة بين فينةٍ وأخرى من قبل الحزب؛ إلا شاهدة على حقيقة المشروع التخريبي الذي يمثله، ومفروضٌ أن يكون على نطاقٍ داخلي، لكن الهوان السياسي العالمي منحه ضوءا أخضر للابتعاد خارج الحدود الافتراضية له.

إن الصمت الدولي المعيب عن تلك السياسات على اختلاف مشاربها وأهدافها،هو الذي أفضى إلى اتساع الفصول الدراسية في مدرسة الخونة الكبرى لاستيعاب أكبر عدد منهم، والخشية أنه مع الوقت يتحول الجميع من قطط مأوها الأزقة وسلال المهملات، إلى كائنات ليست مأمونة، كما تحول حسن نصر الله في لبنان، من قطٍ شوارعي.. إلى نمرٍ من ورق.