الأدوية جزءٌ مهمٌ من حياة الإنسان، منذ كان يراقب تأثير العشب في أمراض الحيوانات، فتعلم وتتطور ونشأ علم الأدوية، وكان أول مقر للصيدلة ببغداد في القرن الثامن، ومنذ ذلك الوقت وعدد الأدوية يتكاثر، بتزايد الأمراض والأبحاث والمراكز العلمية في أنحاء العالم. ومع زيادة إنتاج الأدوية حول العالم، أصبح هناك استخدام مفرط وإهدار كبير للأدوية، رغم أن كثيرا من الأدوية لا تُصرف إلا بوصفة، إلا أنّ الوصفة ذاتها تكون باذخة الكرم. فكثير من الأحيان، تجد نفسك تخرج من المستشفى محملا بعلاج لكل عرض اشتكيت منه، فلكل شكوى حل، بينما المفروض أن لكل داء دواء. كثير من الأعراض نتيجة مرض واحد، إذا عالجته اختفت الأعراض. مثلاً تعطي دواء للترجيع ودواء للإسهال ودواء للمغص، بينما من الممكن علاج هذا بمضاد لالتهاب الأمعاء إذا أثبتت التحاليل وجوده، أو بمحاليل فموية لمنع الجفاف إذا كان التهابا فيروسيا. والأمثلة عديدة، بمعنى أن الدواء يجب أن يكون مقنناً وليس بفكرة «إذا ما نفع هذا ينفع هذا». وقاعدة «إذا ما نفع ما يضر» لا يمكن تطبيقها في علم الأدوية، فلكل دواء جوانب تأثيرية وإن كانت تتفاوت من دواء لآخر. هناك دراسة عن الأدوية الأكثر استخداماً في السعودية ما بين عام 2010-2015، أظهرت نتائجها أن استخدام المضادات الحيوية والمسكنات لا يزال يمثل الجزء الأكبر، تليها أدوية المعدة ومضادات السكري على التوالي، ثم العوامل المضادة للدهون. تختلف أسباب الاستخدام المفرط - وفقا للدراسة - ما بين الأدوية اللاوصفية، أو بمعنى آخر، دواء لا يحتاج وصفة طبية، أو الإفراط في وصف الدواء لفشل التشخيص والعلاج، أو بتعبير آخر سوء الممارسة الطبية.

الأدوية اللاوصفية المعروفة، هي المسكنات غير المخدرة وعلاجات المعدة وأدوية الحساسية والكحة، وعلاجات الإمساك والإسهال. وهناك أكثر من 300 نوع من الأدوية تحت هذه القائمة، حسب دليل الأدوية اللاوصفية التي تصدرها وزارة الصحة. والأدوية التي لا تصرف إلا بوصفة من أهمها، المضادات الحيوية، وبرغم ذلك هي الأكثر استخداماً بعد المسكنات، وهذا يعود لكثرة وصفها في كثير من الأحيان تحت إلحاح المريض. العلاجات المتاحة دون وصفة طبية أحياناً يسيء البعض استخدامها،ومن الممكن ألا تلائم حالته الصحية، فتسبب له مضاعفات أو تتفاعل مع علاجاته الأخرى فتضره. وأحياناً يستخدم أكثر من علاج لهما المادة الفعالة نفسها، ولكن بأسماء مختلفة، فتكون جرعة سامة. الأدوية الخاصة بالخصوبة، أجد أنه من الضروري تقييد صرفها بوصفة طبية معتمدة، حيث إن عشوائية صرفها وسهولة الحصول عليها، قللت من مفهوم خطورتها. مثلاً «كلوميد» ذلك الدواء المحفز للتبويض لزيادة فرص الإنجاب، بعض السيدات صرن يتناولنه للحمل بتوائم، وبالطبع هن لايدركن أن حمل التوائم عالي الخطورة، ومن الممكن أن تنجب تواءمها قبل وقتهم، فيعانون ما يعانون من مضاعفات الخداجة، لمجرد فكرة راودتها أو رغبة لم تناقشها مع طبيبتها.

سوء استخدام الأدوية له عواقب صحية واقتصادية واجتماعية، لذلك يتطلب الأمر وضع إستراتيجية وطنية، تهدف إلى ترشيد استخدام الأدوية، ووضع سياسات لتقنين صرف الأدوية حتى اللاوصفية منها، ومراقبة الدعايات الطبية وتنظيمها، فلكل دواء وجه آخر نتمنى ألا نراه.