لا يهم ما قاله جورج علي سنة حسين نصر الله وبشار الأسد...أربعون عاماً من العداء لم تكفهم ولن تكفيهم...طرد السفير اللبناني وتم إيقاف كافة الإيرادات اللبنانية إلى المملكة، وسيستقيل قرداحي قبل نشر مقالي هذا، وسيعود لجحرة وذيله بين رجليه...لأننا هنا الرياض.

قرداحي، الصحافي الذي صنعه الإعلام السعودي وأوصله إلى أعلى درجات البريق والإشعاع، الذي يطعن الدولة التي احتضنته بعد أن تولى حقيبة هامشية في حكومة كرتونية بدولة أقرب ما يقال عنها إنها دولة من دول الموز... دولة لا أحد يتوقع لها الخروج من أزمة ماحقة متفاقمة أبطالها عصابات استولت عليها من أبناء جنسها.

تلك كانت لبنان، أما نحن في السعودية، فقرداحي هو نموذج لحالة مرضية متكررة في إعلامنا... حالة تحتاج لوقفة تشخيص وتحليل ومواجهة حقيقية مع أنفسنا.

ترجع القصة إلى نهاية السبعينيات عندما قررت السعودية اقتحام حقل الإعلام الجديد، في مرحلة اتسمت بتراجع الإعلام العربي في مركزيه الرئيسيين: القاهرة إثر اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد مع إسرائيل الذي أدى إلى مقاطعة العرب لمصر، وبيروت التي دخلت في نفق الحرب الأهلية القائمة والدموية.

احتضنت الصحافة السعودية المهاجرة مختلف الأقلام والكتاب، من كل الجنسيات والتيارات، مقدمة مدرسة جديدة في العمل الصحافي تؤمن بالمهنية وحرية التعبير، مما شكل تحولا كبيرا في نمط الإعلام العربي الذي كانت تطبعه النغمة الدعائية والتوجيه الأيديولوجي.

وفي التسعينيات، قادت السعودية ديناميكية الإعلام الفضائي العربي من خلال قنوات mbc التي كرست نجومية العديد من الإعلاميين العرب من بينهم جورج قرداحي. لم تتدخل السعودية يوما في قناعات الإعلاميين العرب، ولم تطلب منهم تلميع سياساتها أو الدفاع عنها ولم تضق ذرعا بالرأي المخالف حتى وهي تواجه أخطر التحديات أيام حرب تحرير الكويت عندما اصطفت وجوه من الإخوان والقوميين العرب ضدها.

والغريب في الأمر، أن يتضامن الوزير المعين راهناً جورج قرداحي مع المتمردين الحوثيين في عدوانهم المستمر على السعودية كما تضامن قبلها مع البراميل المتفجرة التي تسقط على الشعب السوري والتي هجرت عشرة ملايين سوري خارج وطنهم!

من المعروف أن لبنان أصبح اليوم دولة محتلة من إيران من خلال ميليشيات حزب الله وأسلحته، إلا أنه لم يكن أحد يتوقع أن يصدر تصريح الإساءة للسعودية من الصحافي الذي فهم البعض من تعيينه أنه داخل في محاولات الانفتاح على المملكة والبلدان الخليجية، في مرحلة لبنان هو في أمس الحاجة إلى مساعدة ودعم من أشقائه العرب الذين لم يبخلوا عليه سابقا بكل أنواع العون والتضامن.

لا أحد في السعودية يعبأ لتصريحات قرداحي وتبريراته، فالمطلوب راهنا ليس الرد على الصحافي المسيء في أقواله المتهافتة، وإنما الحيلولة دون أن تكون منابرنا الطريق إلى شهرة واستقواء خصومنا الذين يهشون في وجوههنا وتمتلئ قلوبهم حقدا علينا.

لقد آن للإعلام السعودي والخليجي أن يؤدي دوره المطلوب في الدفاع عن قضايا منطقتنا العادلة بكل حزم، وفي مقدمتها العدوان الحوثي على الشرعية وتهديد هذه الميليشيا المسلحة المستمر للأهداف الإنسانية والمدنية في بلادنا التي ترمينا بالصواريخ كل يوم وتقتل أبناءنا وجنودنا بينا...

نحن لسنا مرمى لكل من أراد أن يمارس بطولاته لترتفع أسهمه أمام إيران وحزب الله والإخوان المسلمين! نحن لم نعد بحاجة إلى نجوم زائفة تصنعها شاشاتنا ثم تتحول إلى نقمة علينا تفترسنا بكل وقاحة وعبثية، فنحن اليوم نجحنا في تصدر الإعلام العربي التقليدي والفضائي والرقمي، شئتم أم أبيتم... ولم يبق لنا اليوم إلا أن نحصنه بمنع التوظيف العدائي ضد مصالحنا وتوجهاتنا، والأهم هو أن يدفع الثمن كل من يتجرأ على الرياض.