ما بين هذين «الفزلكتين» نجد أننا رغم معرفتنا واطلاعنا وثقافتنا، ورؤية وجوه الجميع من حول العالم، ونصف فلانا بالقبيح وفلانا بالجميل، أما فلانة فجميلة في نظري، ولكنها قبيحة في نظر صديقي، إلا أننا نعجز عن تحديد جمال وجوهنا ونبقيه رهنا لرأي الآخر ليبدي وجهة نظره في ما يخصنا، وبناء على ما قال نجد أنفسنا نعامله بنفس المشاعر.
هناك لدينا مشكلة في القناعة الشخصية، وسببها يأتي من انشغالنا في الآخر لأننا نعتقد أننا قادرون على معرفته ببساطة أكثر من معرفتنا بأنفسنا، لذا نربي أطفالا يحرصون على ما يقوله المجتمع من حولهم، حتى ولو كان هذا المجتمع غير سوي، فالمهم هو «كلام الناس».
و«كلام الناس» أصلا أشبه بمثال الأنف الذي لا يشم رائحة فم صاحبه، بل لا يكتشفها، وهذا هو حال الأغلبية منا للأسف، فعلى سبيل المثال قد يحكم أحدهم على أن فلانا لم يربي ابنه تربية جيدة، بسبب موقف حصل أمام عينيه في ما لا يزيد على دقائق معدودة لهذا الابن، وكأن عمر هذا الابن مع ابيه لا يتعدى سوى تلك الدقائق، بل الأب قد عاش سنوات مع ابنه هذا، ولا تعلم ماذا حصل ويحصل، وقبل أن تحكم هذا الحكم تذكر كم من موقف مشابه حدث لك مع ابنك مثلا.
وفي المثال الآخر، تجد أن بعضهم قد امتهن التكفير والإدخال والإخراج من وإلى الجنة، وهو لا يعي من الدين سوى وجهة نظره القاصرة، فإن قام بتطبيق هذا المبدأ على نفسه لعرف عظمة الخطأ الفادح فيما يقوم به، فأنت لا ترى إلا شيئا وغابت عنك.
ما أريد قوله إننا لا نعرف بعضنا جيدا، وإن كنا لا نرى من بعضنا إلا ما هو خارج «الجسد» فإننا لا نعرف الـ«ما وراء» تصرفات هذا الجسد، لا نعرف ما في القلب من مشاعر وإيمان وكفر وحب وكره، بل إن ما نشاهده هو ما يحتويه عقلنا اللاواعي من الصور النمطية والمخرنة سابقا قبل هذا الموقف، فنحكم على الأنثى بأنها «راعية حركات» لأننا سبق وأخذنا موقفا عن «حركاتها»، ونحكم على البخيل والغني والفقير والشجاع و«الصامل» من أول موقف وتبقى المشاهد الأخرى عنه مجرد استنباط من هذه الصورة النمطية وهكذا، وكأن أحدا لا يتغير، بينما لو كان الأمر عنا فإننا نقتنع أننا كل يوم نتطور ونتغير، فلا تنشغل بغيرك وتذكر أن «أنفك لا يشم رائحة فمك».