يشتمل علم الاجتماع على عدة مسائل، من بينها، بل ربما يمكن القول إنه أهمها، ما يُطلق عليه «التغير الاجتماعي»، أوSocial change، الذي ينصرف إلى عناصر اجتماعية متعددة، يقع عليها التغير.

ثمة تعاريف عدة وضعها جمع من علماء الاجتماع، لموضوع التغير الاجتماعي، تكاد تتفق على أنه يُعنى بدراسة أنماط التحول الاجتماعي، والنظم الاجتماعية، والسلوك والقيم والمعايير الاجتماعية، على مر الزمن. ويمكن القول إن المعايير الاجتماعية، وما يترتب عليها من قيم تقود السلوك، وتشكل نوعية النظر إلى العالم، وكيفية التعامل مع المختلف، أبرزُ مكونات التغير الاجتماعي، الذي يُعد فرعا من أصل ينتظمه، هو «التغير الثقافي»، أو «Cultural change».

يتشكل علم الاجتماع من قسمين رئيسيين، هما: «الإستاتيكا الاجتماعية»، التي تدرس شروط تكوُّن المجتمعات، و«الديناميكا الاجتماعية» التي تُعنى بدراسة حركة المجتمعات، ومن ضمنها التغيرات التي تطرأ على تحولاتها، ونظمها، وبنيتها، وقيمها، ذلك أن المجتمعات، بطبيعتها، ليست قارة، بل هي سيّالة عبر الزمان، حتى وإن كانت ببطء.

التغيرات الاجتماعية موجودة على مر الزمن، فلم يتوقف مجتمع ما عن التغير، حتى تلك المجتمعات التي يُنظر إليها على أنها ذات بنية صلبة وثابتة. وإذا كان الأمر كذلك، فما هي العوامل التي تصنع هذا التغير؟

ثمة اجتهادات كثيرة من علماء الاجتماع للإجابة عن هذا السؤال، إلا أن ثمة نقاطا مشتركة بينهم، تتحدث عن الاتفاق، أو شبه الاتفاق على بعض العوامل، التي لها دور بارز في إحداث التغيير.

تأتي الحكومات على رأس أبرز عوامل تغير المجتمعات، لأن بيدها ما ليس بيد غيرها من الوسائل والإمكانات، التي تستطيع بواسطتها إجراء وفرض التغيير المناسب.

ثمة عناصر اجتماعية عدة يجري عليها التغير الاجتماعي، إلا أن أبرز العناصر التي كانت محتاجة لطيف التغير الاجتماعي، بالنسبة لمجتمعنا، هي تلك التي تُعنى بالقيم المعيارية والسلوك، والعلاقة بالآخر، الآخر الديني، والآخر المذهبي، والآخر العرقي، وغيرهم. وثمة عنصر مهم آخر، كان مجتمعنا بأمس الحاجة إلى إعادة النظر فيه، ونفخ روح جديدة في جسده، ألا وهو إعمال تأويل جديد لكثير من مفردات التراث، التي تحكم شؤون الأفراد من جهة، وعلاقتهم ببعضهم البعض من جهة أخرى. كما تمُت بسبب إلى ما يتماس مباشرة مع الاقتصاد الوطني، من منطلق تفعيل استغلال موارد اقتصادية ضخمة، كانت معطلة من قبل، بسبب تأويلات واجتهادات فقهية كانت، وستظل بنت زمانها ومعطياتها الظرفية، التي تختلف على نحو جذري مع معطياتنا الظرفية المعاصرة.

لنعترف بأن قيام سياسي ما، أو حكومة ما بالعمل على مثل هذا التغيير، ليس من السهولة بمكان، بل إن دونه خرط القتاد، لأننا نتحدث عن قيم ومعايير وثقافة، تأبدت عبر سنين طويلة في اللاوعي، فأصبحت تقود سلوك أفراد المجتمع تلقائيا، الأمر الذي يجعلهم يقاومون أي محاولة لتغييرها. هنا يمكن أن نتحدث عن نظرية الرجل العظيم «Great Man theory»، الذي يُولد بمواهب عظيمة استثنائية، مواهب ليست من خلق بيئته، بل هي خصوصية فسيولوجية. وهي نظرية لا تزال فاعلة في الشأن الفلسفي والسياسي، وتقوم هذه النظرية على أنه يمكن تفسير التاريخ من خلال أعمال العظماء والأبطال، الذين يغيرون مجتمعاتهم، أو ينقلونها إلى مكانة أرقى، من خلال ما حباهم الله به من ذكاء خارق، وكاريزما ملهمة، وحكمة، وروح مبادرة وثابة، إضافة إلى توفر الحدس، بمعناه الفلسفي الاجتماعي، ما يجعلهم يحدسون مواطن الخلل، وكيفية علاجها. وتغيير المجتمعات، خاصة ما يتصل بموروثاتها وقيمها ومعاييرها، التي قد تكون معيقة للتطور، يعتمد، كما تقول النظرية، على وجود مثل أولئك العظماء.

ممن أيد هذه النظرية ودافع عنها، الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي «ويليام جيمس ت 1910»، الذي يرى أن الخصائص الفسيولوجية الفريدة، تُعَدُ العامل الحاسم في تكوين البطل، وإعداده للمهمات العظام، ومن ضمنها قدرته على تغيير البيئة الاجتماعية لمجتمعه، الرازح سنين طويلة تحت وطأة قيم ومعايير وأنساق، تعيقه عن اللحاق بالركب المتقدم. وعلى الرغم من أن معارضي هذه النظرية، يرون أن البيئة والسياق الاجتماعي لهما دور كبير في صياغة شخصية البطل، إلا أن التاريخ أثبت، ولا يزال، أنه لولا المواهب اللدنية التي يتمتع بها البطل المنقذ، لما استطاع السياق الاجتماعي المعيش، أن يصنع منه بطلا ذا قدرات استثنائية.

حفل التاريخ بأبطال عظام، منهم من استطاع خلق مجتمع منظم، على أنقاض مجتمع ممزق مبعثر، ومنهم من استطاع تطويع السياق الاجتماعي المعيش، لقبول قيم ومعايير ونسق ثقافي جديد، كان لابد منه لكي يجتاز مسارا حرجا من تاريخه.

نستطيع أن نقول بكل ثقة إن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، يمثل أحد أبطال التاريخ العظام، الذين خلقوا مجتمعات مستقرة آمنة منظمة، على أنقاض مجتمعات كانت مسرحا للنهب والسلب والغزو والفقر المدقع وانعدام الأمن، بل إن تجربة الملك عبدالعزيز مع توحيد الجزيرة العربية، تكاد تكون متفردة من بين تجارب التاريخ، ويأتي حفيده الأمير محمد بن سلمان ليمثل هو الآخر بطلا عظيما، من ذلك النوع الذي يأخذ على عاتقه الأخذ بيد مجتمعه نحو قبول ثقافة جديدة، ثقافة ذات معايير مختلفة عما ألفها، معايير تأخذ باعتبارها كل ما يساعد على استغلال موارد البلد لما فيه خيره وخير مواطنيه، والحقيقة أن المعايير والقيم الجديدة التي أدخلها هذا الأمير الشاب، لم تكن من المفكر فيه قبل بضع سنوات، خاصة تلك النظرة الجديدة لثوابت ومتغيرات التراث، وأن ثمة متغيرات كنا نعدها ثوابت، رغم أنها تشكل عائقا نحو استغلال موارد الوطن أحس استغلال، بالإضافة إلى إحلال معيار جديد للعلاقة مع المختلف، علاقة تتميز بطابعها المدني الذي يوالي ويعادي على واجبات وحقوق المواطنة فحسب، وترك ما سواها من هويات خاصة محسوبة على الفرد، بما لا يتماس مع واجبات المواطنة.