نحن لا ننكر وجود الجان، وقد حدثنا القرآن عنهم، ولا ننكر طاقتهم، وقد روى الله عن أحدهم أنه يأتي بعرش بلقيس: قال أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وقال من عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك!!.

لا ننكر هذا بعد ما حدث به القرآن، وبعد أن قامت آلاف الأدلة يشتغلون باستحضار الجن واستخدامهم، ولا أجزم بصدقهم ما لم تؤيدهم براهين ملموسة.

إذا كان العلم في ذاته صحيحًا فليس كل من يدعيه لنفسه صادقًا في عصر كثر فيه الدجالون وزاد تفننهم في الخداع والتضليل.

وإذا كان العلم صحيحًا فليس معنى ذلك أن نحيل إلى عمل الجن كل ظواهرنا ومقدراتنا، فلا مريض عندنا إلا لمسه شيطان، ولا مجنون إلا مسه جني، ولا خلاف بين شخصين إلا نسبناه إلى السحر، ولا أمر ذو بال إلا استعنا عليه بالهمهمة والدمدمة.

إننا ننكر هذا التعميم، ونرفض أن تتلقى جميع مقدراتنا عن تصرفات الجن، وأن تناط جميع حركاتنا بمشيئة الأبالسة، وأن نضع عموم مقاليدنا في أيدي المشعوذين، ففي ذلك تعطيل لسنن الكون وفيه تواكل يصرفنا عن العمل في دنيانا بالأسلوب الذي شرعته الحياة للعاملين فيها!!.

لا أدري، ولا الدجالون أنفسهم يدرون لماذا ننسى الهمهمة والدمدمة عندما تحم الحاجات، وتدلهم الأمور.. لماذا يقصرون أعمالهم في تسخير الجن على ألاعيب تافهة، ولا يوسعون اختصاصهم ليساعدوا على علاج ما ينتاب بلادنا من أمور جسام.

إننا نسمعهم يتبجحون بقدرة شياطينهم على خرق العادات، وقوتهم على امتلاك أعتى النواصي !! فما بالهم يسكتون عن خصومنا من رجال الاستعمار؟ لماذا لا يسلطون سحرهم على قلوب الظلمة فيزلزلوها، ويرسلون شياطينهم على الفجرة منهم فيؤذها؟

لماذا لا يجندون عفاريتهم وأبالستهم ليدفعوا جيوش الغاصبين عن أي بلد إسلامي مغلوب، ولماذا لا يرسلونهم عبر السحاب ليقاتلوا الطيارات النفاثة، والقاذفات الفتاكة، ويأمرونهم فيغوصوا قيعان البحار والمحيطات ليطاردوا آلات الدمار تحت الماء، ويبثوا معاني الهلع في قلوب العادين والغاصبين؟.

وإذا كان دجالونا لا يريدون أن يتعبوا عفاريتهم كثيرًا في الدفاع دوننا، فلا أقل من أن يسخروهم في بناء الآلات التي نستطيع أن نقابل بها أعداءنا، أو يندبوا بعضهم على الأقل ليختلطوا بعلماء الذرة، فيسرقوا منهم أسرارها، وينقلوها لننتفع بها، وبذلك يعوضوننا بعض ما أفقدونا من حيواتنا. يوم عشنا مغرورين بفنونهم، متواكلين على همهمتهم.

إننا نعيد ما سبق أن قلناه من أننا لا ننكر وجود الجان، ولا ننكر سخرتهم فيما يتعلق بمشيئة الله.. ولكننا ننكر الدعاوى العريضة التي كثر المتبجحون بها، وتطاول المزيفون فيها، ونريد أن يبرز إلينا أحدهم ليثبت لنا أنه موهوب، وأن الله قد منحه الكفاءة اللازمة لاستخدام العفاريت، ولا يثبت لنا دعواه في هذا حتى يجند أمامنا عددًا ولو ضئيلًا منهم يستطيع أن يترك أثره في أي ناحية صغيرة يرد بها عتو المعتدين العادين من المستعمرين في أقطار الإسلام.

أليس أمر المعتوه الذي مسه عفريت متعلق بما كتبه الله وشاء؟ فما بالهم يحاولون دعاوى علاجه ولا يأبهون لعلاج ما كتب الله علينا من ظلم عدونا؟؟.

ألم يعلموا أن الله شرع لنا أن نأخذ بالأسباب في كافة أمورنا. وأن نعد لخصومنا ما استطعنا من قوة؟ فما بالهم يراوغون؟.

أمحرومون هم من صدق الوطنية حتى قبلوا التخلي عنا في أحرج مراكزنا؟ أم هم مزيفون لا يملكون من علومهم إلا ما يصلح للشعوذة وينفع للألاعيب الباطلة؟

ما أحلى أن تتشجعوا. فالموقف أحرج من أن يحتمل الخداع. إننا نتمنى أن تكون لفنونكم إثارة من علم صحيح فتعلنوا ذلك في ثبات وصراحة وتهيئوا أنفسكم لنواجه الغرب بعلومكم، فنستطيع أن نقول له:

أنت أيها الغرب غرب، ونحن أهل الشرق شرق وسوف لا نلتقي!!.

نريد أن نقول لك امض أيها الغرب بجامعاتك، وأكاديمياتك، وعلمائك ودراساتك المستفيضة التي أنتجت لك جميع الوسائل التي ابتكرتها لحياتك والتي أعانتك على امتلاك ناصية العالم.

امض أيها الغرب فيما اخترت لنفسك من سبيل، ودعنا وما نملك من وسائلنا الخاصة، فنحن في غنى عن علمك وما أنتج!! وحسبنا هذه المواهب التي نسيطر بها على ما تجهل من عمار الكون.. حسبنا سحر الشرق نسخر به قبيلًا من الجن، نخصصه للنقل الجوي فيغنينا عن طائراتك ونفاثاتك، وحاملات الطائرات في بلادك.. وقبيلًا آخر نختصه للبحار في أعماقها وما تحت أعماقها، يعمل ما لا تعمله جميع آلاتك في هذا الميدان!!

وقبيلًا ثالثا نسخره ليعمل عمل الكهرباء، أو يصنع ما لا تصنع، أو يجند ما لا تجنده أساطيلك وسفنك!!.

1960*

* أديب ومؤرخ وصحافي سعودي «-1905 1984»