اهتم الغرب باكتشاف المناطق العربية، خاصة بعد انتشار الإسلام فيها، عن طريق المستشرقين والرحالة مثل نيبور وعلي باي العباسي وبوركهارت، وغيرهم الكثير ممن أحبوا اكتشاف الحضارات وتدوين الكتب، وكانت لبعضهم أجندات استخباراتية مهدت للاستعمار أو نشر النصرانية في البلاد العربية والإسلامية.

ومن ضمن الرحالة الغربيين الذين زاروا المناطق العربية في القرن الخامس عشر الميلادي بيرو طافور، وهو رحال لم تنشر استنادا على رحلته الكثير من الدراسات والأدبيات مثل الرحالة الآخرين، حيث يقول الدكتور حسن حبشي، المتوفي في 2005 - رحمه الله - وهو من ترجم رحلة «طافور» في 1968، إن المخطوطة التي كتبها «طافور» عن رحلاته ظلت حبيسة الأدراج أربعة قرون، ولم يكتب لها أن تري النور إلا في 1874م، حين نشرها أحد الأدباء في إسبانيا باللغة الإسبانية، ثم تمت ترجمة الرحلة إلى الإنجليزية في 1926، ثم نقلها الدكتور حسن إلى العربية.

يعتقد أن «طافور» ولد في بداية القرن الخامس عشر الميلادي، تحديدا في 1410 ميلاديا. وقد اختلف في مكان ميلاده بين مدينتي «قرطبة» و«إشبيلية»، وهي الفترة الأخيرة لسيطرة المسلمين على الأندلس، لكن المدينتين المذكورتين قد تمت السيطرة عليهما من قِبل مملكة «قشتالة» قبل عقود طويلة من سقوط آخر معقل للمسلمين، وهي «غرناطة»، في 1492 ميلاديا.

وقد انخرط «طافور» في سلك الخدمة العسكرية بمملكة «قشتالة»، وحارب ضد المسلمين في «غرناطة».

استغل بيرو طافور التوقف الحربي المؤقت بين مملكتي «غرناطة» و«قشتالة»، وبدأ رحلته إلى جنوب وشرق أوروبا فيما بين 1435 و1439م.

أما ما يهمنا في هذه المقالة، فزياراته للمناطق العربية، وهي بلاد الشام ومصر، التي زارها في الفترة المذكورة نفسها سابقا. يهمل «طافور» كتابة تواريخ زياراته للأماكن، لكنه زار في الفترة ما بين 1435 و1439 الأماكن العربية المقدسة للنصارى، فعلى سبيل المثال زار القدس الشريف، وتعاون مع أحد البرتغاليين في التسلل للمسجد الأقصى في الواحدة بعد منتصف الليل، لكي لا ينكشف أمره أمام المسلمين، كون «طافور» نصرانيا.

وقد وصف «طافور» المسجد بأنه مزين بالفسيفساء المذهبة، وأرضه وحوائطه من أجود أنواع الحجارة، وتتدلى في المكان الكثير من المصابيح.

كما زار «طافور» دمياط، ووصفها بأنها مدينة منبسطة جدا، وليس بها سور أو قلعة. ويسهب «طافور» في الحديث عن نهر النيل، حيث يقول إنه أحسن ماء في الدنيا وكأنه ماء الجنة، وتحدث عن ارتفاع منسوب المياه في نهر النيل في بعض أوقات العام، حتى إن المياه تغمر الكثير من البيوت المجاورة للنهر، وأن الأسماك تتجول بين الشوارع وبين البيوت، ويسهل اصطيادها.

كما يقول الرحال إن في نهر النيل الكثير من التماسيح التي لا يستطيع الإنسان أو الحيوان الفرار منها، حتى الجواميس التي تخافها التماسيح. عند وصول «طافور» إلى القاهرة، التي كانت تحت حكم السلطان المملوكي الأشرف سيف الدين برسباي، تحدث عن بعض الموضوعات المتعلقة بسوق النخاسة والتصوف.

كما أنه أُعجب بأحد الجوامع في القاهرة، ربما يقصد جامع السلطان حسن، الذي كان لم يمض على بنائه إلا عقود بسيطة، وهو لا يزال تحفة فنية إسلامية رائعة إلى وقتنا الحالي، ثم انتقل الرحال من القاهرة إلى جبل سيناء، الذي يعده النصارى جبلا مقدسا.

ويظهر من كتابة «طافور» تشدده في النصرانية وبغضه الإسلام. ووصف الصحراء المقفرة في سيناء، وبعض الشخصيات المقدسة النصرانية التي قطعت هذه الصحراء إلى أن وصلوا إلى الجبل المقدس. لم يكتف «طافور» بالكتابة عن سلوكيات البشر ووصفهم، والطراز الهندسي في البلاد العربية، بل تعداها بالتفصيل في بعض الحيوانات، فعلى سبيل المثال شاهد الرحال بعض الفيلة في القاهرة، وقد وصفها بأنها أكبر من الجمل، وأن أقدامها مستديرة ذات أخفاف قوية جدا.

كما وصف أنياب الفيل وصفا دقيقا، مما يدل على أنه للمرة الأولى في حياته يشاهد حيوان الفيل ذا الخرطوم الطويل.

كذلك شاهد الزرافة للمرة الأولى، والتي قال عنها إنها أكبر من الوعل، وأقدامها طويلة، ورقبتها تسامق في طولها البرج، وإنها حيوان أليف، وذكر أن السكان المحليين أخبروه أن الزرافة تعيش طويلا، وأن الزرافة التي شاهدها قرب مدينة القاهرة عمرها يتجاوز المائتي سنة، وهذه بكل تأكيد معلومة غير دقيقة تحصل عليها الرحال.

وقد شاهد الرحال الإسباني أيضا الحمام الزاجل الذي ينقل الرسائل للمرة الأولي في حياته، وكان ذلك في دمياط. مغامرات وتحديات كبيرة ضمنها الرحال بيرو طافور في مذكراته عن رحلته حول العالم، التي كانت من ضمنها البلاد العربية.

وبعد عودته من الرحلة حول العالم، تزوج الرحال في «قرطبة»، وأنجب أربعة أطفال قبل وفاته في 1484 ميلاديا.