منح التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية، تطمينات لحالة القلق التي دارت على مدى الأيام الفائتة بين الأوساط السياسية والصحفية والعسكرية اليمنية، منذ انسحاب القوات المشتركة العاملة في الساحل الغربي من مواقعها على الأطراف الجنوبية لمحافظة ومدينة الحديدة، وإعادة تموضعها في المناطق التي لا ينص عليها «اتفاق استوكهولم»، الذي ترعاه الأمم المتحدة منذ مطلع 2019. وقال التحالف في بيان: «إعادة انتشار وتمركز القوات المشتركة بالساحل الغربي قرار عسكري لقيادة القوات المشتركة للتحالف، لموائمة الإستراتيجية العسكرية في اليمن»، مضيفا: «الانسحابات اتسمت بالانضباطية والمرونة بحسب ما هو مخطط له، بما يتماشى مع الخطط المستقبلية لقوات التحالف، وحتى تصبح تلك القوات أكثر فاعلية عملياتية للمشاركة في المعركة الوطنية للجيش اليمني».

إعادة تموضع

نفذت القوات المشتركة في الساحل الغربي، التي تشمل ألوية «العمالقة، والمقاومة التهامية، والمقاومة الوطنية»، بقيادة العميد طارق صالح، عملية انسحابات، وإعادة تموضع لمختلف الألوية العسكرية من طرف واحد، ومن عدة مناطق واسعة في الأطراف الجنوبية لمدينة ومحافظة الحديدة، أبرزها مدينة الصالح وكيلو 16 ومجمع إخوان ثابت ومنطقة منظر في محيط مطار الحديدة، ومجموعة قرى ومديريات، ابتداء من الدريهمي وحتى التحيتا.

وعملت القوات المشتركة على وضع الجميع في الصورة، بحسب بيان نشرته لوسائل الإعلام، بـ«تنفيذها قرار إخلاء المناطق المحكومة باتفاق استوكهولم، الموقع في دولة السويد، لكون تلك المناطق مقيدة باتفاق دولي يبقيها منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين، ويأتي في ضوء خطة إعادة الانتشار التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي تتمسك الحكومة الشرعية بتنفيذها، على الرغم من الانتهاكات المستمرة للميليشيات الحوثية». وقد بررت الانسحابات بأنها نتيجة «عدم إعطاء القوات المشتركة الضوء الأخضر لتحرير مدينة الحديدة، وحرمانها من تحقيق هدف إستراتيجي لليمن والأمن القومي العربي، كان من شأنه أن يسرع من هزيمة الميليشيات الانقلابية».

بيان أممي

أصدرت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) بيانا صحفيا مزامنا لبيان التحالف العربي ، قالت فيه: «تلاحظ البعثة الأحداث المتمثلة في انسحاب القوات المشتركة من مدينة الحديدة ومن مديرية الدريهمي وبيت الفقيه وأجزاء واسعة من مديرية التحيتا، وسيطرة الحوثيين عليها، وما يترتب عليها من تغييرات كبيرة في خطوط التماس في المحافظة».

وتعبيرا عن قلقها، وفي محاولة لتلافي التطورات التي تلت الانسحابات، تابعت البعثة توضيح أن «هذه الأحداث والمتغيرات تستدعي فتح نقاش بين الأطراف المعنية في اتفاق الحديدة، وتقف البعثة على أهبة الاستعداد لتيسير نقاش وفق إطار الاتفاق». وطالبت الأطراف المتنازعة بالوفاء بالالتزامات نحو حماية المدنيين في المحافظة والمناطق التي ما زالت تشهد تصعيدا عسكريا. بينما دعا رئيس البعثة، الجنرال الهندي أبهيجيت جوها، الطرفين إلى السماح لبعثة الأمم المتحدة بـ«زيارة المواقع المثيرة للجدل، بما في ذلك المناطق المتنازع عليها». وقال «جوها»: «القدرة على إجراء تقييمات أوضح ستساعد في تعزيز دور البعثة بدعم تنفيذ الاتفاق من خلال التواصل المباشر، لتهدئة الوضع الحالي».

التحالف ينهي الشك باليقين

جاء بيان التحالف العربي في توقيت مناسب، حيث أسهم في إيقاف ما أثارته عملية الانسحابات، التي نفذتها القوات المشتركة في الساحل الغربي، من جدل واسع، وانقسام بين مختلف الحلفاء المتخاصمين الشرعيين إلى معسكرين: المعسكر الأول يرتبط بمكونات القوات المشتركة، ويدعي أن التموضعات تمثل انطلاقة جديدة، لتصويب مسار المعركة الأم باليمن في مواجهة الجماعة الحوثية، وهذا ما أشار إليه بيان القوات المشتركة، التي ترى أنه «من الواجب الديني والوطني الدفاع عن الجبهات الأخرى ذات الأهمية التي قد تستغلها الميليشيات الحوثية، في وقت يفرض فيه على الجميع تقديم الدعم للدفاع عن اليمن في مواجهة أدوات إيران التي تعيث خرابا في محافظات البيضاء ومأرب والجوف، وإسقاط ثلاث مديريات في محافظة شبوة، وعبرها تم الوصول إلى مشارف مدينة مأرب».

وانطلاقا من قناعة القوات المشتركة بأن البقاء تحت رحمة قيود «اتفاق استوكهولم»، وتجميد طاقات وإمكانات عسكرية وبشرية يمكن استثمارها في جبهات أخرى، يمثل خطأ فادحا، لهذا قررت «فتح جبهات أخرى توقف الحوثيين عند حدودهم، وعليه فقد شرعت في تنفيذ خطتها التي تحدد خطوطا دفاعية تؤمن معركة الساحل الغربي، وتبقي تهامة على أهبة الاستعداد لأي تطورات قد تطرأ في الجبهات». وفي هذا السياق، أعربت المشتركة عن أسفها من التضليل الإعلامي الذي استهدف «ضرب الثقة في القوات المشتركة بالطريقة والأدوات التي يستخدمها خصومها بصورة متكررة، والتي استخدمت لإضعاف دور الشرعية اليمنية من قبل، وفاعلية المعركة الوطنية».

تصعيد مستمر

هذا الخطاب، الذي تضمنه البيان، جاء للرد على المعسكر الآخر، المتمثل في قوى الشرعية اليمنية، والذي تمسك بموقف حاد من الانسحابات، متهما القوات المشتركة بالتخاذل أمام ميليشيات الحوثي بالتزامن مع احتدام معارك مأرب، والتصعيد المستمر للميليشيات الحوثية، وتعرض قوات الجيش الموالي للشرعية اليمنية لانتكاسات متوالية، مطالبين بتحركات تخفف الضغط على المحافظة، ليأتي بيان التحالف العربي منهيا هذه الانقسامات التي أضرت بوحدة الصف اليمني، ويعيد تصويب بوصلة الجهود السياسية والإعلامية والعسكرية نحو الحوثيين.

هذه الاتهامات تصاعدت بعد تعليقات صدرت من فريق الحكومة الشرعية في لجنة تنسيق إعادة الانتشار بموجب «اتفاق استوكهولم»، وتأكيده أن «ما يجري في الساحل الغربي من انسحابات للقوات المشتركة يتم دون معرفة الفريق، ودون تنسيق مسبق»، معتبرا أن «أي تقدم للحوثيين في مناطق الشرعية بمحافظة الحديدة تحت أي ظروف يعد مخالفة صريحة لنصوص الاتفاق، ويعتبر خرقا يوجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف واضح تجاهه». وكذلك تصريحات نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، الذي أكد أن «الأمم المتحدة لم تكن على علم مسبق بانسحاب القوات الحكومية من مناطق جنوب الحديدة، وأن الأمم المتحدة تراقب الوضع عن كثب، للتوصل إلى حقائق على الأرض».

القوات المشتركة

على مدى الأيام التالية لعملية الانسحابات في الساحل الغربي، استغلت ميليشيات الحوثي الوضع، ورفضت الانسحاب من المناطق المنصوص عليها في الاتفاق، وشنت عمليات عسكرية، للسيطرة على المناطق التي انسحبت منها القوات المشتركة، ووصلت إلى مديرية التحيتا والمناطق الشمالية لمديرية الخوخة، حيث هددت ميناء «الحيمة»، مستخدمين الصواريخ والطيران المسير المفخخ. وعلى أثر هذا التصعيد الحوثي، اندلعت مواجهات عنيفة مع القوات المشتركة لليوم الرابع على التوالي. وقد تمكنت الوحدات العسكرية التهامية وألوية العمالقة من طرد عناصر الميليشيات من عدة مواقع، وتدمير عديد آليات، وقتل وأسر عشرات من المقاتلين. وتحدثت مصادر إعلامية عن أن «القوات المشتركة لم تعد يعنيها «اتفاق استوكهولم» الذي مزقته الجماعة بتصعيدها الأخير».

هلاك 20 إرهابيا

لقي 20 مسلحا من ميليشيات الحوثي مصرعهم، وجرح آخرون بضربات مركزة للقوات المشتركة في الساحل الغربي، بحسب المركز الإعلامي لألوية العمالقة، الذي أكد أن «المدفعية وجهت ضربات محددة لتعزيزات وتحركات الانقلابيين شمال مدينة حيس». وقد أكد العميد فاروق الخولاني، قائد اللواء الأول لمقاومة تهامية، أن القوات المشتركة تقدمت إلى منطقة الغويرق غرب مديرية التحيتا، وذلك بعد تدخل الطيران التابع للتحالف الغربي، الذي نفذ للمرة الأولى هجمات جوية على الميليشيات منذ توقيع الاتفاق. وقال التحالف إن العمليات التي تستهدف الميليشيات تمت في مناطق خارج إطار تلك التي ينص عليها اتفاق السويد.

وذكرت مصادر عسكرية أن العمليات التي تنفذها القوات المشتركة ضد الجماعة ستستمر، وستتصاعدا خلال المرحلة القادمة بعد بيان التحالف، الذي أعاد رفع المعنويات وتماسك القوات حتى استعادة المناطق التي سيطرت عليها الميليشيات، ما لم تنسحب منها طواعية بحسب ما ينص عليه الاتفاق.

في الشرق اليمني، شهدت محافظة مأرب معارك عنيفة بين قوات الشرعية اليمنية، بإسناد مسلحي القبائل المأربية، وبدعم من الغطاء الجوي للتحالف العربي من جهة، ومن الجهة الأخرى ميليشيات الحوثي.

تصويب مسار المعارك

يبدو أن الحراك العسكري على الأرض لن يقف عند هذا المستوى، حيث تزامن مع حراك في المسار العسكري نفسه، ولكن هذه المرة على المستوى الأعلى، حيث عُقد، الاثنين، لقاء بين قائد القوات المشتركة في التحالف العربي، الفريق أول مطلق الأزيمع، ورئيس الأركان اليمني، الفريق الركن صغير بن عزيز، في العاصمة السعودية (الرياض)، ضمن إطار التنسيق والدعم المستمر من التحالف، لتحقيق الأهداف، وإعادة الشرعية اليمنية. وجاء اللقاء بهدف «استعراض سير المستجدات العسكرية في الداخل اليمني، والاطلاع على الموقف العام ومختلف التفاصيل الميدانية لمسرح العمليات».

حراك سياسي

على المستوى السياسي، شهدت الجبهات اليمنية الشرعية حراكا سياسيا، حيث رحب المجلس الانتقالي الجنوبي بالدعوة التي وجهتها المملكة إلى رئيس المجلس، اللواء عيدروس الزبيدي، لعقد جولة مشاورات جديدة في الرياض، ضمن جهود ترتيب الصف الداخلي مع الشرعية اليمنية، وترتيبات تنفيذ «اتفاق الرياض». شهدت مناطق الساحل الغربي وجنوب ووسط اليمن، الأيام الفائتة، حراكا سياسيا لافتا، يهدف للتهدئة بين الشرعية اليمنية، ممثلة في السلطات المحلية، والمحور العسكري في محافظة تعز، المقرب من حزب «الإصلاح»، ونائب الرئيس الجنرال علي محسن الأحمر، ومن ناحية أخرى المكتب السياسي للمقاومة الوطنية (حراس الجمهورية)، التي يقودها العميد طارق صالح.

تصريحات إيجابية

بحسب المعطيات، فإن جهود التقارب بين الأطراف المحلية جاءت مواكبة لاشتداد هجمات الحوثيين على محافظة مأرب شرق اليمن، ومدفوعة بالوساطة والاتصالات عبر القنوات الخلفية التي قادتها المملكة بين حلفائها اليمنيين منذ مطلع العام الجاري، وقد أثمرت تقدما ملحوظا في جمع شتات تلك الأطراف حول الفكرة، وتبادل المواقف والتصريحات الإيجابية، وأيضا إقرار العميد طارق صالح استعداده للعمل في صف الشرعية اليمنية، والتي قوبلت بإشادة رئيس الحكومة، الدكتور معين عبدالملك، وترحيب المجلس الانتقالي الجنوبي، وانفتاح سلطات محافظة تعز، ومحورها العسكري على تلك الدعوات.

وبين الحراك السياسي والدبلوماسي اليمني - السعودي، والتطورات العسكرية والميدانية شرق وغرب وجنوب اليمن، يقف المشهد العام منتظرا ثمار تلك التحركات، على أمل أن تفرز ديناميكية جديدة في مسار الأحداث على الخارطة اليمنية، تعيد رسم التوازنات والجهود في مواجهة ميليشيات الحوثي.

دوافع وأهداف

إعادة انتشار وتمركز القوات المشتركة في الساحل الغربي قرار عسكري لقيادة القوات المشتركة للتحالف

يستهدف القرار

مواءمة الإستراتيجية العسكرية في اليمن

الانسحابات اتسمت بالانضباطية والمرونة بحسب ما هو مخطط له، بما يتماشى مع الخطط المستقبلية لقوات التحالف

القرار جاء حتى تصبح تلك القوات أكثر فاعلية عملياتية للمشاركة في المعركة الوطنية للجيش اليمني