تتوزع إدارة مسؤوليات الدولة على مجموعة من القطاعات الحكومية والمشتركة، التي تختلف أهدافها القطاعية وتتنوع سياساتها، بناء على ما تتحمله من مسؤوليات، وما تُكلف به من خدمات وطنية، تحقق في مجموعها تطلعات الدولة، وتترجم أهدافها التنموية المتعددة الاتجاهات والمسارات، غير أن جميع تلك القطاعات تشترك جميعها في تحقيق أهداف إستراتيجية وطنية واحدة، تستهدف خدمة الدولة والمواطن والسكان بصفة العموم، وتسعى نحو جودة الحياة بالارتقاء بالخدمات المناطة إليها، بما ينعكس على رضا وعدالة مطلوبة، وبما يحقق تنمية مستدامة وشاملة لمختلف متطلبات الحياة الآنية والمستقبلية.

مع التقدم التقني والارتقاء بالخدمات الحكومية المختلفة، أصبحت كثير من التعاملات الرسمية إلكترونية وآلية في التواصل مع القطاعات المختلفة، سواء في تلبية الخدمات المطلوبة أو في التمكين من الاطلاع على مستجداتها من اللوائح والأنظمة ذات الصلة بكل قطاع، مما يستلزم مواكبة ومتابعة حثيثة من الإدارات الإلكترونية المسؤولة عن تلك المواقع والمنافذ، التي تمثل حلقة الوصل بين المستفيد والجهة الراعية أو المسؤولة عن قطاع معين.

إنشاء «هيئة تنظيم المياه والكهرباء» يُعد نموذجا مؤسسيا رائدا، يستحق الأخذ به، واستنساخه في جميع القطاعات الخدمية وغيرها، لكونه مسؤولا عن متابعة شكاوى المستفيدين من تلك الخدمات، ومعنيا بمعالجة ما يواجه المستفيدون من إشكالات مختلفة تتعلق بانتظام الخدمة أو توصيلها أو اشتراكاتها أو فواتيرها، وما قد يحصل فيها من تجاوزات أو اختلالات، لأسباب مختلفة أو لوجود تقصير في نوع الخدمة، وما تتطلبه من زمن مناسب لإنجازها، وما تحتاجه من متابعة إدارية مع الجهة المُقدمة للخدمة، بل وما يستحقه كذلك المستفيد من تعويض أو مستحقات بموجب القوانين والنظام، وما تنص عليه اللوائح المعتمدة للقطاع، التي قد يغفل عنها المستهلك.

لا شك أن مسؤولي الوزارات المختلفة، والقطاعات الخدمية المشتركة ما بين الدولة والقطاع الخاص يهتمون بتحقيق مسؤوليات قطاعاتهم، وهم حريصون على تلبية حاجات المستفيدين ومستهدفات الدولة، ويسعون إلى تطوير قطاعاتهم بما يتلاءم مع رؤيتنا بطموحها وأهدافها الواعدة، إلا أن متابعة الأعمال بتفاصيلها، وما يتعلق بها من إشكالات، والوقوف على مستوى الإنجاز بشفافية، تستهدف التطوير والارتقاء بالأداء، تحتاج دوما، وبصفة مستمرة، إلى تقييم مستوى الأداء وفق مؤشرات ومعايير تغطي كل مسؤوليات القطاع، وما يستدعيه ذلك من تطوير، وما يتطلبه من حوكمة ومساءلة، لضبط التجاوزات والاختلالات القائمة.

قد يكون من الصعوبة تحقيق قدر مرضٍ من الشفافية والنزاهة في تقييم الأداء لأي قطاع إذا كانت الجهة المسؤولة عن التقييم تستظل تحت ذات الإدارة المسؤولة عن القطاع، لأن تقييمها بنزاهة قد يتعارض مع ما تراه الإدارة المعنية، أو ما تستطيع تلمسه في معاملاتها. وعليه، فإن وجود مجلس أو هيئة مساندة لكل قطاع مثل «هيئة تنظيم المياه والكهرباء»، تُعنى بتقييم أدائه وحوكمته، وتهتم بمتابعة مستوى رضا المستفيدين، وتعمل على معالجة إشكالاتهم، وتوعيتهم بمستحقاتهم، أصبح مطلبا للارتقاء بمستوى الجودة المنظورة، ووسيلة لتحسين الخدمات، بما يخدم أهدافنا التنموية وتطلعاتنا نحو جودة الحياة.

أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي سهولة الوصول إلى المسؤولين في القطاعات المختلفة، خاصة عبر «تويتر»، ولكن هناك قلة منهم من يتفاعل أو يتجاوب مع التساؤلات أو الشكاوى. أما خدمة العملاء، التي أحيانا ما تسارع بالرد حتى تحد من انتشار الشكوي، فإنها سرعان ما تنقطع خدمتها أو تتجمد فاعليتها بعد التواصل وشرح الإشكالية من طرف المستفيد. ولذلك، فإن وجود قطاع أو هيئة تُعني بخدمة المستفيدين، وتتابع تنظيم الأداء وتقييم مستوى جودته، يُعد جزءا لا يتجزأ من البرامج المؤسسية المطلوبة للارتقاء بمستوى أداء القطاعات المختلفة، بما يليق بمستهدفات تحقيق «رؤية 2030».