تتداول وسائل الإعلام العالمية يوميًّا صور الآلاف من الهياكل البشرية، وهي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أي لحظة، وبالفعل منهم من يفارق الحياة أثناء التصوير، ومنهم من يودع الحياة وهو في الطريق بحثًا عن الغذاء والماء، ومنهم بعد ذلك.

هذه المشاهد تثير فينا من اللوعة والأسى والألم المرير ما لا يوصف، وهي وصمة عار في جبين الإنسانية، لا يمكن أن تمحى أو أن تنسى أبدا.

عند تناولها مثل هذه الأخبار تقول وسائل الإعلام: قتل الجوع 30 طفلًا في هذه المدينة و100 آخرين في مدينة أخرى، وهكذا، ونحن نعلم أن موارد العالم وخيراته تكفي بل تفيض، لمعالجة أي حالة جفاف أو مجاعة تحصل في أي بلد في العالم ، فكيف يصدق أن الجوع هو الذي قتلهم؟.

الحقيقة أن الذي قتلهم ليس الجوع بذاته، بل قتلوا به، فهل أصبح الجوع سلاحا لقتل الشعوب وإبادتها تماما كطائرات الشبح والفانتوم والأباتشي وبقية أسلحة الدمار الأخرى؟.

بالطبع، تتحمل مسؤولية القتل حكومات العالم الغربي، وفي مقدمها الدول الأكثر هيمنة ونفوذا وسيطرة وتحكما في خيرات العالم وموارده ومنافذه، وفي المرتبة الأولى أمريكا.

نعم، قتلتهم هذه السياسات غير المنصفة والمفرطة في أنانيتها، التي تهدف إلى الحصول على أعلى الأرباح ولو على حساب الأضرار بمصالح الدول الأضعف، وإلحاق أبلغ الأذى بشعوبها.

إن ما يهدر من أموال باهظة كرشى لتمرير صفقه سياسية مغرضة أو لتنفيذ مؤامرة مقيتة أو إطاحة حكومة ما، وتدمير اقتصادها، أو ما يهدر من أموال فاحشة لاجتياح دولة ما واحتلالها، أو لإثارة الفتن والفوضى والاضطرابات في دولة أخرى، أو لشراء سياسييها، إن صفقة واحدة من هذا النوع في دولة واحدة، تكفي ليس لإشباع جميع هؤلاء الجياع فقط، بل ولنقلهم إلى مستوى أعلى من الرفاهية والعيش الرغيد. نعم، صفقة واحدة في دولة واحدة من صفقات الفساد الإداري والسياسي تكفي لانتشالهم من واقعهم المزري والبائس، لكنه الظلم والجشع.