احتفظ الطبيب الشاب تشارلز ريتشارد درو، بمقالة علمية كتبها لعدة سنوات في درج مكتبه. خشي أن يؤدي نشرها إلى جدل علمي يؤثر على مستقبله البحثي. آثر أن ينتظر حتى يصنع اسما جديرا في مجاله، لكن أحد زملائه، الذي زاره في شقته واطلع عليها شجعه ألا ينتظر أكثر.

نشر تشارلز المقالة على مضض. استقبلها علماء وباحثون باحتفاء كبير. احتفاء فاق توقعاته وخياله. أدت مقالته، (بنك الدم)، التي نشرها في عام 1940 إلى انتشار بنوك الدم. لقد أحدثت مقالته (ثورة) في نظام تخزين آمن للدم يحول دون تلوثه.

ذهبت شكوك تشارلز المبكرة أدراج الرياح بعد أن حظي اكتشافه العلمي بتقدير العلماء وامتنانهم.. بإعجابهم واعتزازهم. مات تشارلز بعد سنوات قصيرة من اكتشافه الفريد. توفي إثر حادث سيارة قبل أن يكمل 45 عاما.

تساءلت بيني وبين نفسي عن مصير هذا الاكتشاف العلمي العظيم لو مات تشارلز قبل أن ينشره؟

تساءلت عن الكثير من الاكتشافات والمبادرات التي دفناها لأسباب واهية.

إننا في أحيان كثيرة نخشى من أشياء لا وجود لها. نقلل من أثر وقيمة ما نملكه من خلال ادخاره لأنفسنا وعدم إفشائه. الأفكار العظيمة لن تكون عظيمة إذا ادخرناها. لن يكون لها أثر وتأثير إذا لم يلمسها الناس ويشعروا بها ويتحدثوا حولها.

علينا أن نثق بما نقوم به ولا نذعن للخوف في داخلنا إذا أردنا النجاح. ليس عيبا أن نتعرض للهجوم والانتقاد إثر ما قمنا به، لكن الخطأ ألا نحاول.

وجود الطفل في داخل رحم أمه أكثر من 9 أشهر يشكل خطرا عليه وعلى أمه وكذلك الأفكار والمشاريع.. الاحتفاط بها طويلا قد يسممها ويفسدها ويقتلها ويقتلنا حسرة.

الطبيب والباحث تشارلز رغم ما وصل إليه من وعي وفهم وتميز إلا أنه كاد يذهب ضحية لسوء التقدير.. كاد يدفن معه فكرة عظيمة أسهمت في الحفاظ على عدد من الأرواح بعد فضل الله.

ما حدث لتشارلز ينبغي أن يلهمنا ويحفزنا لقمع الخوف في داخلنا وعدم الركون للأصوات المثبطة التي تصرخ في أعماقنا. كُرِّم تشارلز عندما رحل بحصوله على وسام التميز من الجمعية الوطنية عام 1950 وفي عام 1981 عندما صدر طابع بريد باسمه. ربما كان سينال جائزة نوبل وغيرها من الجوائز المرموقة وهو حي يرزق لو استعجل في طرح اكتشافه ولم يتأخر.

لدى أحد أصدقائي مشروع تأليفي واعد يحدثني عنه منذ سنوات، لكن في كل مرة أسأله عنه يجيبني بأن الفكرة ما زالت تختمر في رأسه.

قبل أسابيع قال لي إنه صرف النظر عنه نهائيا بعد أن تصفح إصدارات جديدة مشابهة. حاولت ثنيه عن قراره دون جدوى. يؤمن صديقي بأن مشروعه الأول يجب أن يكون مختلفا وكاملا.

إن المؤلف الجيد لن يصبح جيدا إلا بعد الكثير من المحاولات والتجارب.. كاللاعب تماما.

ثمة حقيقة ينبغي أن نعرفها جميعا تتمثل في أنه لا يوجد مشروع كامل في هذا العالم، ولا يوجد مشروع بلا مخاطرات. المشروع الذي لا يثير أسئلة وقلقا وانتقادات لا يصح أنه نسميه مشروعا.

الخوف عندما يتملكنا يلوث مواهبنا ومبادراتنا. أضاع الكثير من اللاعبين ضربات جزاء وركلات ترجيحية مفصلية بسبب الخوف الذي داهمهم واستسلموا له. يقول إديسون: "يفكر الخائف أمام الخطر بساقيه". فالشخص منا عندما يصاب بلوثة الخوف ينسى عقله. والشاعر فرجيل يحذرنا منه قائلا: "الخوف يصنع أجنحة للنعال".

نئد أفكارنا بسبب خشيتنا من ردود فعل الناس. نردد دائما (ماذا سيقول الناس عني؟) سيقولون إنك جميل وعظيم ورائع، لكن دعهم يروا شيئا!