تتضمن استراتيجيتنا الوطنية في محتواها التنموي، تحفيز الاستثمارات الأجنبية وجذبها نحو الاستثمار في مواردنا الطبيعية الغنية بمكوناتها المتنوعة وثرواتها المحفزة للاستثمار، والذي يصب في صالح تنويع قاعدتنا الاقتصادية وتعزيز قيمة مواردنا المحلية وإثراء إنتاجنا الوطني، وليضيف للوطن مزيدا من المكانة التي تتمتع بها المملكة بموقعها الاستراتيجي والمركزي، والذي جعلها تتوسط منطقة الشرق الأوسط كعمق إقليمي، ومكنها من أن تكون حلقة وصل بين القارات الثلاث.

تستهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار زيادة جودة الاستثمارات وزيادة حجمها وتنويع مجالاتها، بما ينعكس على تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة، يتحقق بها استثمارات تراكمية تزيد على 12 تريليون ريال بحلول عام 2030؛ ولتنفيذ تلك الأهداف أطلقت المملكة، مؤخراً، خدمة جديدة تسهم في زيادة حجم الاستثمار المستهدف، وهي تأسيس نظام يتيح بدء ممارسة الأعمال من خارج المملكة، بهدف تمكين الشركات والمستثمرين من إصدار الرخص الاستثمارية بشكل سريع وميسر وفق أفضل الممارسات العالمية، بما يعزز من السياسات الإصلاحية التي تنتهجها المملكة بخصوص ممارسة الأعمال وتنشيط الاستثمارات للشركات الأجنبية، وذلك في إطار متناغم من التعاون المؤسسي، بالتكامل والشراكة بين الجهات الحكومية، لمعالجة التحديات التي تواجه المستثمرين، وتسهم في رفع تنافسية البيئة الاستثمارية للمملكة إقليمياً وعالمياً، والذي يعزز بدوره مكانة المملكة كوجهة استثمارية جاذبة لسهولة بدء ممارسة الأعمال.

كان الاهتمام باستقطاب الاستثمارات الأجنبية من أحد أهم الأهداف التنموية التي وضعتها دول النمور الآسيوية في استراتيجيتها الوطنية لتحقيق قفزة نوعية في مسارها التنموي، ولتتحول تدريجياً من مصاف الدول النامية التي تفتقر إلى مختلف الموارد الطبيعية والمواد الخام المطلوبة للصناعة؛ إلى دول صناعية تصدر الصناعات المختلفة وتمارس التقنية بأنواعها، ولترتقي بمنجزاتها إلى مراتب متقدمة في معايير التنمية الدولية.

تضافرت العديد من العوامل الداخلية المهمة في إنجاح تجربة النمور الآسيوية التنموية، رغم ما كانت تعانيه من مثلث الفقر والجوع والجهل، لتنتقل من مصاف الدول النامية إلى الدول المتقدمة اقتصادياً وتنموياً، وذلك بعد جهود وسياسات شملت كافة القطاعات الوطنية والهيكل المؤسسي بجميع ما يكتنفه من موارد بشرية ومادية، وما يتطلب ذلك من أنظمة وتشريعات وقوانين، ومن تلك السياسات التي نفذتها:

1 - بناء شبكة البنية التحتية على درجة عالية من التقدم والكفاءة.

2 - الاهتمام الكبير بالاستثمار في مواردها البشرية، بزيادة في مخصصات الإنفاق العام على التعليم والصحة والإسكان والبحث العلمي والتقدم التكنولوجي، والذي انعكس على نمو في إنتاجية العمل، وقدرة على استيعاب التكنولوجيا المستوردة بالاستثمار، للدخول في مرحلة التطوير التكنولوجي.

3 - تنفيذ مجموعة من السياسات النقدية والمالية التي كبحت التضخم، وأثرت إيجاباً في النمو الاقتصادي.

4 - العناية الخاصة بقطاع الصادرات، وتوفير التسهيلات المصرفية لذلك، رغم افتقارها للمتطلبات الأولية اللازمة للصناعة، باستثناء الأيدي العاملة، فحرصت على إعفاء المواد الوسيطة والسلع الإنتاجية المستوردة اللازمة للصناعات التصديرية من الرسوم الجمركية.

5 - انتهاج سياسات واعية لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها؛ وتهيئة المناخ المناسب لها لتحقق معدلات مرتفعة للربح لتغريها بالمشاركة في المشروع التنموي، والذي أسهم بدوره في استيعاب الأيدي العاملة الوطنية بالتوظيف من جهة، ونقل التكنولوجيا والاستفادة منها وتطويرها وطنياً من جهة أخرى.

تهيء السياسات السكانية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المدروسة، البنية التحتية لتحقيق التحول التنموي والقفزة الاقتصادية والحضارية المستهدفة، وذلك يتطلب تناغما وتكافؤا بين السياسات القطاعية، وتكامل في إجراءاتها في إطار التخطيط الاستراتيجي الوطني.

لعل من أحد أهم المرتكزات التنموية المستدامة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، هو نقل التقنية والتكنولوجيا وتوطينها، لتكون لدينا صناعة وطنية بمواردها ومنشآتها ومكاسبها، ولتسهم في تنوع القاعدة الاقتصادية بموارد محلية وبأياد وطنية، وتحقيق ذلك مرهون بتوظيف أكبر عدد من المواطنين في الوظائف التي ستخلقها تلك الاستثمارات في مشاريعها المختلفة المجالات، وبذلك يحصل التدريب لأبنائنا وتتكون الخبرات لديهم وتصقل مهاراتهم وتعزز قدراتهم، وبذلك نجني ثمار نفقات تعليم بُذلت، ونحصد قطاف مواردنا البشرية سواء المتعطلة منها، أو تلك التي تشغل مواقع وظيفية لا تناسب مؤهلاتها وكفاءاتها.

نجاح الاستثمار الأجنبي، يرتبط بتوجيه استثماراته نحو ما نستهدف الاستثمار فيه من مقدرات، بما يخدم تحقيق استراتيجيتنا الوطنية ورؤيتنا التنموية، وليس وفق ما يريد المستثمر الاستثمار فيه، والذي قد لا يكون ضمن مستهدفاتنا التنموية المطلوبة، توفير البيئة الاستثمارية الجاذبة وتحفيز الاستثمار للشركات الأجنبية، يتطلب تضمين الاتفاقيات بشروط ملزمة بتوظيف أبنائنا وبناتنا في جميع مجالاته ومستوياته الوظيفية المهنية والفنية والإدارية، وإلا فإن فائدته ستكون محدودة وعابرة ومستعارة، لأن توطين المعرفة والتقنية يقتضي نقلها بداية ثم محاكاتها ثم الابتكار فيها، وبذلك يتحقق التحول التنموي المستهدف ونتمكن من استثمار مقدراتنا المادية والبشرية.