بعد عشرين عاما من صدوره، لايزال كتاب دوجلاس ريتشارد هوفستاتر أفضل الكتب مبيعا، إلى جانب كونه يمثل تأملا عميقا وممتعا في الفكر والإبداع البشري. يبحث هذا الكتاب «جودل، إيشر، باخ»، في نقاط الاتصال المفاجئة والمشتركة بين " موسيقى باخ، وعمل إيشر الفني، ورياضيات جودل"

. كما يبحث في آفاق أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي (AI) لمحاكاة الفكر البشري.

بالنسبة للقارئ العام وتقني الكمبيوتر على حد سواء، لا يزال هذا الكتاب يضع معيارا للتفكير في مستقبل أجهزة الكمبيوتر وعلاقتها بالطريقة التي نفكر بها.

تداعيات نظرية

كان الإنجاز العظيم الذي حققه هوفستاتر في " Gödel، Escher، Bach" جعل الموضوعات الغامضة (مثل عدم القدرة على اتخاذ القرار، والتكرار، و «الحلقات الغريبة») متاحة ومسلية بشكل ملحوظ. يعرض كل فصل من الكتاب حوارا بين السلحفاة وأخيل، بالإضافة إلى الشخصيات الأخرى التي تهتم بالمفاهيم التي نوقشت لاحقا بمزيد من التفصيل.

وتتوافر إشارات إلى موسيقى باخ (تتمحور حول عرضه الموسيقي) وأعمال إيشر الفنية المتناقضة باستمرار.

تتيح هذه المادة الأكثر سهولة للمؤلف الخوض في نظرية الأعداد الجادة (مع التركيز على تداعيات نظرية عدم الاكتمال التي وضعها جوديل)، بينما يتوقف طويلا للتفكير في أعمال مجموعة من علماء الرياضيات والفنانين والمفكرين الآخرين.

تصور المفاهيم

تنبأ الكتاب بأن أجهزة الكمبيوتر ربما لن تتغلب على البشر في لعبة الشطرنج، بالرغم من فوز ديب بلو على جاري كاسباروف في عام 1997.

وسجل الفينيل، الذي يخدم بعض أفضل تشبيهات هوفستاتر، أصبح الآن متروكا لهواة الجمع، فيما تبدو الأقسام المتعلقة بالرسوم البيانية لوظائف معينة من الفيزياء محيرة، مثل نظرية الفوضى الحديثة،وتقدم الذكاء الاصطناعي، بالطبع ومع ذلك، يظل «جودل، إيشر، باخ» إنجازا رائعا، يساعد نطاقه الفكري وقدرته على السماح لنا بتصور المفاهيم الرياضية الصعبة وجعلها واحدة من أفضل ما في هذا القرن لأي شخص مهتم بأجهزة الكمبيوتر وإمكانياتها في الذكاء الحقيقي.

الخلايا العصبية

يهتم الكتاب بطبيعة «الخرائط» أو الروابط بين الأنظمة الرسمية. ووفقا لهوفستاتر، فإن النظام الرسمي الذي يقوم عليه كل نشاط عقلي يتجاوز النظام الذي يدعمه. إذا كانت الحياة يمكن أن تنمو من الركيزة الكيميائية الرسمية للخلية، إذا كان الوعي يمكن أن ينبثق من نظام رسمي لإطلاق الخلايا العصبية، فإن أجهزة الكمبيوتر أيضًا ستصل إلى الذكاء البشري.

التلاعب بنظريات الذكاء الاصطناعي

تتمثل أهمية الكتاب في ندرته، فهو كتاب يوسع ليس فقط فهم الإنسان، ولكن أيضا الفكر البشري.

ربما لا يكون عملا علميا رائدا مثل " أصل الأنواع لداروين"، لكنه يقترب منه في إصلاح الطريقة التي نفكر بها في العالم.

فمن خلال النظر إلى العقول اللامعة لـ «عالم الرياضيات كورت جوديل، والفنان التشكيلي ايشر، والموسيقي يوهان سيباستيان باخ»، يربط أستاذ علوم الكمبيوتر والعلوم المعرفية دوجلاس هوفستاتر معا الموهبة الجمالية المتمثلة في التعرف على الأنماط والتلاعب بنظريات الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري وجوهر وعي الذات.

هل هذا ينصف الكتاب؟، لا على الإطلاق، لا يمكن تفسير «جوديل وإيشر وباخ»، دون الخوض بعمق في بنية الكتاب نفسه وتحليل التمثيل الذاتي الذي ينسجه هوفستاتر من خلال تقديره لفن باخ وتصميمات إيشر ونظريات جودل، ليقدم للقارئ هذا الكتاب الذي قد لا يبدو بسيطا، الأفكار معقدة والمنطق دقيق، لكنه كتاب مُرض تماما، وقراءته هي إحدى تلك التجارب النادرة، عندما تنهيها تشعر بأنك أكثر ذكاءً مما كنت عليه عندما بدأت.