تناهت الأخبار وتناقل البعض وربما أكثر من البعض ما اجترحته السيدة ميسون الدخيل بحق كبار السن، وأنها لم تترك شاردة ولا واردة للمطالبة بنبذهم من المشهد في مسرح الحياة، بل ومن المسرح كله.

والصراحة هي لم تكن مع هذا الطرح بل نقلت بسخرية مطالب بعض من لا يرحم ولا وده رحمة ربنا تنزل، هؤلاء الذين يرون أن من كبر في السن أصبح عالة كما يرون أن المتقاعدين أعمارهم طالت، وكفاية عليهم، فقد عاشوا دهرا وما زالوا يطالبون مهرا، أما كفاهم أنهم عاشوا الحياة بطولها وعرضها، أكلوا وشربوا وناموا وتزوجوا وترقوا ولو مرتبة واحدة، والتي هي في الواقع لا تفرق عن مرتبة إسنفج مهكعة.

وأيضا هؤلاء المعمرون قيدهم لحقوا والحمد لله حتى فعاليات الترفيه التي كان الوطن كله محروما منها، مش زي غيرهم ماتوا بحسرتهم بدون ترفيه ولكن بيحزنون، لقد كان أحسن ترفيه وجبة في مطعم الفول وإلا براد شاي وخبزة مع جبنة وشوية دقة، في ظل شجرة في الخبت، أو على رصيف حاشف ناشف، وإذا كانوا سعداء تكون بجوارهم شبه حديقة، أكل عليها الدهر وشرب وحلا كمان.

ويقول هؤلاء الخراصون من جماعة «الشايب ما له نايب» خلاص هؤلاء المعمرون ماذا يريدون؟ قاعدين يزاحمون الشباب الذين في منطقهم لن يكبروا ويصبحوا عواجيز، ولن تلحقهم مقصلة النبذ، ويروجون أن الشباب سيظلون نونوات «جمع نونو» إلى أجل غير مسمى، والمفروض أن آخر الشيبة المحترمين هم عواجيز هذا الزمن الذين أكلوا الأخضر وقاعدين يمزمزون على اليابس لأجل الأبناء والأحفاد ما يحصلون ولا نتفة.

والشباب مساكين مع أن معظمهم جلسوا على نفقة الوالد، حتى أصبحوا مهندسين ودكاترة وأعمارهم ما بين 25 و30، هذا الوالد الذي ما عين يوماً حلواً وخصوصا في شبابه، لأنه من عمره 15 وهو يكد ويحرث الأرض ليطعمهم ويكسوهم ويزوجهم، وكمان ويدفع المهر والذي منه، ولذلك فقد انتهت مهمته، وعليه أن يرحل، طبعا لما قرأت التعليقات تكهربت وولعت وصحت الفزعة يا آل شايب، وتذكرت كلمات الخليفة العباسي المستنجد بالله، والتي غناها المطرب العراقي ناظم الغزالي، عيرتني بالشيب وهو وقار يا ليتها عيرت بما هو عار، كيف كاتبة وفي جريد وطنية تشرشح كبارنا وما خلت لهم جنب يتكوا عليه، وطرت في العجة كما فعل غيري ونادى بعضهم بالويل والثبور لهذه الكاتبة التي تجنت على كبار السن، صحيح أنا مش كبير في السن ولا حاجة، عادني صغير يربوني، ولكن ربما تقصدني وايش يعرفها إني صغير في السن، وتحسبني من الذين شيبوا يا حيفاه.. أن شرف الشيبان كافة تعرض للخدش، وأنا ما راح أسكت لها وبوريها شغلها، وذهبت إلى مطبخ النقد بشحمه ولحمه لأنتقي سكاكين النقد وأشحذها فنحن قوم لا توسط بيننا لنا الصدر بين العالمين أو القبر، فالنقذ الناعم لا ينفع وأنا أبو جلا وطلاع الثنايا متى أسل قلمي تعرفوني، فالموضوع حساس، فالشايب في وطني له احترام خاص، والويل لمن تأبط شرا وهزء من عواجيزنا، وبخاصة النساء منهن اللاتي لا يكبرن أبدا، إلا في عين الحساد الذين لا يبون الخير لأي كائن حي، وبيني وبينكم لو بيدهم حتى الميت ما يسلم منهم.

إني أحمد الله وحده الذي أعطاني هذا العمر الذي لم يكن لأحد يد في إطالته، كما الكثير من أقراني، وإذا بلغنا بعض النجاحات أو المكاسب التي هي لمعظمنا مد رجليك على قد لحافك أو حالك، فهذا هو من فضل الله، ثم من رعاية قادتنا، ومن ثم من اجتهادنا، ولم نكن عالة على أحد، وبعضنا قدم أكثر مما أخذ أو سيأخذ.

ونظام التقاعد ليس مفصلا على زيد أو عبيد بل على الموظفين كلهم، يعني من صغر الإنسان، وهو يعلم أن هذا هو قدره وهذا هو المعاش، هذا إن عاش وسيكون اللحاف الذي سيتغطي فيه أيام الشدة، وعليه ألا يطمع، فهذا هو فخر الموجود.. وإذا كان التخلص بأي طريقة كانت لا بد أن يكون مصير الكبار في السن، طيبا، هل من بلغ الخمسين مثلا يعد الحد الأدنى، أو الأعلى؟ وهل يمكن أن ننادي من يبلغ هذه السن بطويلة أو بطويل العمر كما يستحب كتقدير وإما كجرس إنذار بأنك expired منتهي الصلاحية، وهل بناء على ذلك، أول ما يولد الطفل يحدد في هويته تاريخ انتهاء صلاحيته حتى لا يتعب أحد.. طيب، لو في واسطة لذوي الجاه ممكن تلعب دورها؟ وهل أصحاب الثروات يمكن أن يشتروا كم سنة كعمر إضافي، وهل ممكن نسوي جمعية نسميها جمعية الحي أبقى من الميت ويقطون الأقارب، واللي ماعندوش ما يلزموش كحال كثيرين يكتب وصيته، وبعدين أكيد ما كل رقبة زي الثانية، فمن المؤكد أن علي بابا مثلاً ما بيكون زي علي ماما أو علي جدتي.

هل الكبار في السن أصبحوا قطيعا يحل سوقهم إلى مستقبل ناكر للجميل.. الكبير يظل كبيرا ولا يجوز استغلال الألسنة الحداد لذبح كرامة كبارنا سناً.

إن الذين ينادون بهذا لأنهم من الخمسين وأدنى فإننا لو تماهينا مع نظريتهم فهم سيكونون على القائمة، ويتم تحضيرهم على رواق، ويا كد مالك خلف، ولو دامت لك ما وصلت لغيرك.

لقد ظلم كل من استعجل واتهم الأستاذة الكاتبة ميسون الدخيل بأنها تنادي بالتخلص من الكبار، وهي من ذلك براء، ومع الأسف وصل النقد لدرجة الإسفاف بكلام جارح تجاوز النقد إلى النيل من إنسانيتها، وعندما نقول لهم تسرعتم لأنكم لكامل المقال ما قرأتم، البعض يصمت، والبعض الآخر أخذته العزة بالإثم وأصر على خطئه، بل منهم من قال مهما كان المفروض لا تقول ذلك، وحتى لو لم تقصد، يعني حشف منهم وسوء كيلة.

الاستعجال في تكوين الرأي والبناء عليه لتبرير الذم والضرب لشخص ما من تحت ومن فوق الحزام، هو أمر يجافي الخلق الإسلامي والأعراف العربية الأصيلة، فهل أنتم معتذرون، أم ما زلتم عند عنز ولو طارت.