«الشي من الشي، هكذا الشي من الشي»، منذ أكثر من ربع قرن وزميلي ما زال يردد هذه الكلمات في جل المواقف تقريبا، حتى ألفناها منه وسجلناها له، لا يكاد موقف يمر ولا اجتماع يحل، إلا ويصدح بها بين الفينة والأخرى، وفي الحقيقة لم نكن نُعير تلك الكلمات أي اهتمام يُذكر باستثناء كونها تخرج من فمه في قالب كوميدي جذاب.

لقد كان يطربنا وكنا نأخذها منه من باب الدعابة واللطافة ليس إلا، تلك الكلمات لم تتجاوز شفاهنا قط ولكنها يوما بعد يوم كانت تفرض وقعها وإيقاعها، وتأخذ مسارا إيجابيا لدينا خارج ذلك الإطار الذي قيدناها به.

يوما بعد يوم كانت تتجلى أمامنا في ثوب الحكمة التي لم نكن نستوعبها أو حتى نتخيلها، ولسببٍ أو لآخر غابت عنا حيناً من الدهر. الشي من الشي...كلما تخيلناها أو أعدنا التفكير فيها، نجد أنها تحلق بعيداً بما تحمله من حكمة وخبرة، يؤكد ذلك الواقع ويتمم عليه العقل والمنطق، فليس من العقل ولا من المنطق أن تتوقع الكرم من بخيل، ولا الشجاعة من جبانٍ، وكذلك الحال لا جدوى من انتظار الحكمة ممن يتصف بالتهور والغباء، وفي الجانب الآخر إذا رأيت الإبداع والتميز حاضرا في أي عمل فتأكد أن هناك أصلا يستند عليه أو موروث يستمد منه ذلك.

وهذا بعض مما علمتنا إياه الحياة، وقدمته لنا دورس عملية على أرض الواقع. «الشي من الشي» تجدد بعضا من تلك الدروس التي علمتنا الحياة، وترسم لنا بعضاً من ملامح الطريق، بل وتقدم الابتسامة «لأهل مكة الذين هم أدرى بشعابها». التفاصيل الصغيرة في حياتنا أحياناً تصنع الفارق إذا ما أعطيناها حقها من التقدير والاهتمام.

أشياء كثيرة ننتظرها أو نطلبها من الآخرين، ونحن لم نقدمها تهاونا أو مكابرة أو حتى استخفافاً، لذلك فهي تغيب عنا رغم أهميتها وحاجتنا إليها. المنطق يقول كيف تطلب الحب وأنت لم تقدمه؟!، وكيف ترجو الاحترام وأنت لم تفرضه لا بعملك ولا بتعاملك؟!. كلّ شيء في حياتنا يُعقل ويصنف أيضا تحت بند يُقبل، إلا أن نبقى دائما في انتظار ردة فعل الآخرين، لنبني عليها كل شيء حتى ما يتعلق منها بسعادتنا وتعاستنا؟!.

إذا أردت من الحب أن يظلل حياتك فلا تبخل به أو تتأخر في تقديمه للآخرين، وتذكر أن السعادة لا تأتي وحدها، نحن من نصنعها. حتى وإن تطلب منا الأمر أن نكون نحن أصحاب المبادرة.. المهم بل والأهم ألا نعيش بانتظار ردة فعل، لنبني عليها أو نجعلها مصدرا لسعادتنا ونجاحنا؟.

من أجل الأفضل لا تترد في المبادرة إن لزم الأمر، ولا تنتظر الآخرين ليصنعوا حاضرك أو يشكلوا مستقبلك، وتذكر أن التفاصيل الصغيرة أحياناً هي التي تصنع الفارق في حياتنا إذا ما أعطيناها حقها من التقدير والاهتمام.

تفاصيل كثيرة نتردد فيها، قد تحرمنا من أشياء كبيرة، وقد لا نتخيلها أو نستوعبها وبسبب عادات أو سياسات أو أعراف فقيرة ليست واجباً أو ركنا، في حين أن المردود الإيجابي قد يكون مترتبا على كلمة.

إن طُلب مني وإلا فلن أفعل.. إن أعطاني وإلا فلن أسأل.. إن قالها لي وإلا أبداً لن أنطق.. أبداً إن لزم الأمر وفي سبيل الأفضل والأميز، دمر قيود التردد، واقصف أرتال الحياء والخوف، فرب كلمة تتردد تكون هي مفتاح الخير والسعادة لك، وربما للآخرين أيضا، فـ«الشي من الشي».

بادر فلن يتعثر أو يخسر في هذا النهج سواك.. المهم ألا تتأخر أو تتردد كثيرا، فالحياة في ركبها المجنون لا تنتظر أحداً، وهي أقصر وأحقر من أن نقضيها في حسابات واحتمالات لا تسمن ولا تغني من جوع.

إذا أردت أن تحصد، فازرع، وبقدر ما يكون زرعك مميزا سيكون حصادك .

أبو ماجد.. لقد وصلت الرسالة وإن غابت عنا بشكل أو بآخر، المهم أنها وصلت.. وتبوأت مكانتها التي تستحق، وفقط بقليل من الاهتمام. «الشي من الشي»، لااااا فض فوك.