تعد ترجمة أدبيات الرحالة الأجانب القدامى للبلاد العربية مفيدة جدا، للاستفادة منها، ومقارنتها بما كتبه المؤرخون العرب عن الفترة الزمنية نفسها. ترجع كذلك أهمية ترجمة الكتب والمخطوطات للرحالة غير العرب القادمين للأراضي العربية لأسباب دينية مثل زيارة الأماكن المقدسة بالنسبة للنصارى، أو دراسة الدين والحضارة الإسلامية، أو أسباب استكشافية أو استخباراتية.

إن هؤلاء الرحالة لديهم منطلقات ثقافية مختلفة تماما عن ثقافتنا، حيث كانوا يدونون ملاحظات عما هو غير تقليدي عندهم مثل عادات الزواج والأزياء والأطعمة عند العرب.

بينما المؤرخون والرحالة العرب لا يهتمون بتلك التفاصيل، لأنهم يعدونها عادية في أوقاتهم.

ومن الأمثلة على الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة العربية، تحديدا الشام ومصر، رحالان من إيطاليا قدما بهدف زيارة الأماكن المقدسة لدى النصارى، أو ما يطلقون على أنفسهم حجاجا، ودونا تفاصيل جغرافية وتاريخية وثقافية مهمة.

ونستعرض، في هذه المقالة، لمحات سريعة مستلة من مخطوطات اثنين من الرحالة الإيطاليين، هما ليونارد فريسكوبالدي وسيمونه سيغولي اللذين زارا مصر والشام بين 1384 و1385 م .

في 2010، أصدرت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ترجمة لمخطوطات «فريسكوبالدي» و«سيغولي»، وهما صديقان زارا معا مصر والشام في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، وكل واحد منهما كتب مخطوطته على حدة، فتم جمع ما كتباه عن رحلتهما، وتمت ترجمته. وترجع أهمية هذه الكتابات لقدمها، حيث مر عليها قرابة أكثر من ستة قرون.

ومن أبرز ما جاء في الكتاب المترجم إلى العربية عن طريق شيرين وأحمد إبيش أنه في 1384م قرر 13 رجلا من «توسكانا»، وهي حاليا إحدى أقاليم إيطاليا، القيام برحلة إلى الأرض المقدسة للنصارى في المنطقة العربية. وبعد أشهر من التحضير والسفر داخل إيطاليا، انطلق هؤلاء الطليان من فينيسيا إلى الإسكندرية في 4 ديسمبر 1384 في قارب فيه 16 مجدافا، وبه مسافرون من فلورنسا وفينيسيا، وبلغ عدد الركاب في هذا المركب 15 شخصا، بالإضافة للربان ومساعده.

وبعد توقفات في عدد من الجزر، وصل الطليان إلى شاطئ الإسكندرية - التي سميت على اسم محررها من الفرس الإسكندر المقدوني، تقريبا 333 قبل الميلاد - في 27 ديسمبر من العام نفسه، وكانت مصر حينها تحت سيطرة السلطان المملوكي السلطان الظاهر برقوق الشركسي.

تدور معظم كتابات ليونارد فريسكوبالدي وسيمونه سيغولي حول الأماكن المقدسة التي حرصا على زيارتها، والشخصيات التاريخية النصرانية الذين كانت لهم مواقف في تلك الأماكن، لكنهما ذكرا بعض التفاصيل الأخرى المهمة، فعلى سبيل المثال وصف الرحالان الأزياء السائدة في تلك الفترة الزمنية البعيدة، حيث ذكرا أن الرجال في القاهرة يلبسون سراويل طويلة وأحذية مغطاة، ويضعون على رؤوسهم قبعة من النسيج الأبيض.

أما رداؤهم، فكان من الكتان الأبيض. أيضا يصف الكتاب لبس النساء في الإسكندرية، حيث كانت تلبس النساء سراويل حتى الركب، يغطيها رداء طويل، ولا يبدو منهن إلا أعينهن. أما النبيلات، على حسب وصف «ليونارد»، فيضعن خمارا أسود أمام الأعين، كي لا يراهن أحد، ويلبسن سراويل طويلة حتى الكعب.

وقد تحدثا كذلك عن ملابس «العروس» في القاهرة، وأنها تصنع من الحرير الأبيض الغالي، وأن العروس يكون معها خنجر، تهديه لعريسها فور وصولها إلى بيت الزوجية.

أيضا وصف «فريسكوبالدي» و«سيغولي» المأكولات السائدة في تلك الفترة في مصر والشام، حيث شاهدا بعض أنواع الأطعمة للمرة الأولى في حياتهما مثل «الموز» الذي تذوقاه للمرة الأولى، وهما في طريقهما من الإسكندرية إلى القاهرة.

كذلك امتدحا الفواكه المزروعة في الإسكندرية، خاصة «الرمان» الذي قالا عنه إنه شديد الإحمرار من الداخل ومذاقه كالسكر. كما امتدح «سيغولي» المُربات التي تصنع في دمشق، وبأنواع متعددة، منها التفاح والزنجبيل. وامتدحا كذلك المشاوي والأسماك التي تؤكل في الشام ومصر.

وقد استوقف «ليونارد» في القاهرة أنه لا أحد يطبخ في بيته، سواء كان غنيا أو فقيرا. وتحدث الإيطالي «سيغولي» عن بعض طرق الزواج، وطريقة احتفال النساء في الأفراح، حتى إنه أعطى تفاصيل لطريقة رقص النساء في الزواجات بالقاهرة. وقال إن الرقص كله حركات غريبة، لم يشاهدها من قبل.

وتطرق «سيغولي» أيضا عن المظاهر الدينية للمسلمين، وانتشار المساجد في مصر، وتمسك المسلمين بالدين بشكل عام، وأنهم يرخون لحاهم. كما أنهم يصومون رمضان.

كما زامن وجود الإيطاليين عيد الفطر في القاهرة، حيث يقولان إن الاحتفالات تستمر ثمانية أيام، يحتفل خلالها الناس في الساحة الكبرى بالقاهرة، ويرقصون، وتدق الطبول، ويغني الناس، بالإضافة إلى تنظيم نشاطات ترفيهية ومنافسات رياضية مثل حمل الأثقال، يشاهدها العامة.

واشتملت مخطوطات ليونارد فريسكوبالدي وسيمونه سيغولي على ذكر الطيور والحيوانات التي شاهداها في مصر والشام، ومنها ما شاهداه للمرة الأولى في حياتهما مثل الجمل والزرافة والفيل التي شاهدوها في مصر، وفصلا في وصف تكوينها وسلوكها.

كما لا تخلو المخطوطات من ذكر بعض السلبيات والمظلوميات التي وقعت عليهما من قِبل بعض العسكر من المماليك الذين أخذوا منهما بعض المبالغ المالية والمقتنيات في سبيل وصولهما إلى وجهاتهما الدينية.

لم يزر الرحالان الإيطاليان الأماكن المقدسة للمسلمين في الجزيرة العربية، لكنهما ذكرا بعض المعلومات الخاطئة عنها، والتي كانت سائدة في كتابات الغربيين بالقرون الوسطى، وكذلك عن تعلق المسلمين في الشام ومصر بمكة والمدينة، وعن بعض المشاق التي يقوم بها الحجاج المسلمين، للوصول إلى مكة.

بشكل عام، كانت الانطباعات العامة عن مصر والشام جيدة، حيث امتدح الرحالان الإيطاليان الأسواق والنظام والنشاط الاقتصادي في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، بعد قضائهما نحو عام كامل في المنطقة العربية.