الإعراض عن معرفة تفاصيل المهام المطلوبة، وتحقيق الأهداف، قد يقلص مساحات الحوار والتواصل الفعال في مؤسسات العمل، وربما أشاع جوا من التحزبات الوظيفية، وزرع نوعا من الشحناء والبغضاء بين العاملين، وأسهم بشكل كبير في انخفاض مستوى الأداء والإنتاجية. إن أصعب ما يواجه قائد أي مؤسسة هو التعرف على السلوكيات التنظيمية للموظفين، وتوجيهها نحو الإيمان برؤية موحدة، لتحقيق الأهداف المطلوبة.

في محيط العمل لا بد من التركيز على السلوك التنظيمي، وتصرفات الموظفين، مما قد يساعد القادة على التنبؤ بطرق استجابات الموظفين، وبالتالي معرفة النتائج المتوقعة للأداء. ولمعرفة سلوكيات الموظفين، نحتاج إلى معرفة العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر بشكل مباشر في ردود أفعال واستجابة العاملين ورؤسائهم. إن تبرير السلوك أمر طبيعي، وذلك من خلال إنكار المسئولية، والتقليل من أهمية الأمر أو الانتقائية في التبرير (كالذي يقول إن التدخين أفضل بكثير من المخدرات!!). كذلك علينا أن نؤمن بأن المواقف السلبية للقادة، التي تتشكل في محيط العمل، تؤثر مباشرة في ردود أفعال الموظفين.

تغيير سلوكيات ومواقف الموظفين مع التحوّل يحتاج إلى وقت وجهد وصبر، ولا سيما أن سلوكياتهم الأصلية وقيمهم ومعتقداتهم تكونت من سن الطفولة، وتأثرت بمراحل فكرية واجتماعية ودينية واقتصادية. لهذا على المديرين عدم التركيز على إلقاء اللوم، ولكن التركيز على تصحيح السلوك في العمل. وعلى الرغم من أن عوامل تحسين السلوك عديدة جدا، فإننا سنتحدث اليوم عن جانب «الإسناد»، وتأثيره في سلوك وتحفيز الموظفين. «الإسناد» هو عملية عزو أسباب النجاح والفشل إلى عوامل داخلية أو خارجية، والعوامل الداخلية تتعلق بالموظف نفسه، بينما الخارجية يقصد بها المديرون ومحيط العمل والمجتمع.. إلخ. وهناك عدة مفاهيم لنظرية «الإسناد» المتعلقة بالسلوك الوظيفي، فالمفهوم الأول هو «الإسناد المتشائم»، وفيه يرى الموظف أنه يعاني قصورا داخليا كنقص المهارات والذكاء، وكذلك نقص خارجي كعدم التدريب والدعم والتحفيز، وهذا موظف إنتاجيته لا تكاد تذكر. أما «الإسناد المتفائل»، فيعزو الموظف النجاح إلى نفسه وقدرته ومجهوداته، بينما ينسب الفشل للآخرين والقادة، وهذا موظف يحتاج إلى التحفيز والاهتمام. أما المفهوم الثالث لـ«الإسناد»، فهو «الإسناد العدائي»، وفيه تجد الموظف يسند الإخفاق والفشل بشكل مباشر إلى زملائه ورئيسه، وتكون ردود أفعاله عدائية وعنيفة، وقد تصل إلى مرحلة الإضرار الجسدي، وتشويه السمعة من خلال الشكاوى المتكررة ونشر الشائعات، وكذلك من خلال ارتكاب مخالفات الاختلاس وسرقة المال العام. ولمعالجة ظاهرة «الإسناد» يجب أن يتم الربط بين الإسناد والتحفيز، فالموظفون عندما يرون أن «السلوكيات الجيدة» تؤدي إلى الحصول على المكافآت والنتائج المرجوة، فإنهم يصبحون متحمسين للتمسك بتلك السلوكيات المكتسبة. كذلك، فإن سلوكيات القادة أنفسهم تسهم بشكل كبير في تغيير سلوكيات الموظفين، وذلك من خلال الاهتمام بجانب التدريب والتطوير، وصقل المهارات، وخلق بيئة عمل تنافسية، والتركيز على النجاح وتحقيق النتائج المرجوة. وعلينا أن نتذكر أنه كلما ظل الموظف يعمل فترة طويلة تحت «الإسناد المتشائم»، وشعر بأنه غير قادر على عمل شيء، فسيكون من الصعب تغيير سلوكياته لاحقا. وأخيرا.. لا بد من اتباع «الإسناد المنطقي» مع الموظفين، من خلال التحفيز والتمكين والتشجيع والتأهيل.