يؤخذ عليّ حدة مقالاتي نوعا ما، فقررت أن أثبت عكس ذلك تماما..

عزيزي القارئ، هل تعرف من هو الحَسَنْ؟.

حصين اللسان وحديد اللجان، صريح العداء وخصيم الرياء، بلسمٌ لليتيم ونور للعتيم، أمير المنبر وصادق المخبر، عند الخصم يستأسد وعند الحب يستسكن. يُقال عنه مُفسّر وهو في أصله مُفكّر، يخاف التصريح ويجرأ على التلميح، يُسْكِنْ الرياح ويعصف السُكونْ، نظراته سهام وكلماته إلجام، عثراته إخطار وقفزاته إنذار. عند اللقاء خجول وعند الحديث جفول، أمام المرأة عجول ومقابل الرجل غلول. إذا أردت منه الفطام سيصيبك ذلك بالفصام، كعصى الساحر للمعجزات داحر، كريم الدلال بخيل الجفاء، كالوالدين الكادحين لنجاح أبنائهما في تضحيته وكالغربان الحانقين على أعدائهم في انتقامه، تهزمك عينيه وتنصفك يديه، في قمة غروره تواضع، وفي قمة هدوئه عنفوان.

هذه الصفات ليست خيالية، وهي موجودة في البشر، وإن قل عددهم. وقد تكمن الدهشة في اجتماعها بشخص واحد فقط، وكل إنسان مقدّر له أن يقابل هذا الحَسَنْ في حياته مرة واحدة، وإما أن يحافظ عليه أو يخسره، وغالبا الجميع يخسره ولا يستطيع كسبه بسبب تخبطهم الناتج عن انبهارهم به. يختل توازنهم وتهتز ثوابتهم وتصبح للألوان طعم وللعطور وَقْع. وقد يعتقد أحيانا الفرد أنه من شدة الإعجاب بشخص ما أنه هو ما قصدته، وهذا غير صحيح، لأنه لن يعرف في الأصل أنه كذلك. نعجب بالكثير، ويثيرنا الفضول أمام الكثير. نشتاق للكثير، ونندم على فراق الكثير. نحزن لصعوبة الوصول إلى الكثير، ونفرح لقربنا من الكثير. كل ذلك يدفنه الزمان مع مرور الوقت، وتنساه وكأن شيئا لم يكن. تصبح مجرد اختلالات عاطفية، شعرت بها في حالات احتياج، تبريرها عدم النضج. لكن إذا التقيت الحَسَنْ فعلا، فلن تعلم ذلك، لأن إدراكك مشغول بصفاته، وتحتاج إلى أن تعيش عمرك كله حتى تتأكد، لحظة احتضارك، أنه كان أعظم خساراتك وأجمل هزائمك.

إذا لم تقابلوا ذلك الحَسَنْ في حياتكم، فهنيئا. تحضروا للقائه جيدا، فالحياة فُرَصْ، والحَسَنْ فرصة.