باتت «سوق الفن» قطاعا قائما بذاته، ممثلة أحد أبرز وأهم أدوات وآليات ما يعرف بـ«القوى الناعمة»، وتمخضت عنها كثير من الإشكاليات القانونية، مما يستحيل معه أن تبقى بمعزل عن القانون، وهو ما تصاعد في منطقتنا العربية بعد افتتاح دار «كريستيز» للمزادات العالمية في 2005 فرعا لها بدبي، وتمركز دار «سوثبي» في الدوحة، وتوسع نشاط سوق الفن في البلاد العربية، لتلح الحاجة إلى تنظيم وإطار قانوني لمختلف التعاملات في سوق الفن من أجل إرساء أسس قوية لقانون سوق الفن العربي، وإشاعة الوعي الحقوقي بهذا الاتجاه.

اختفاءات مريبة

على الرغم من عنوانه الطويل «قضايا سوق الفن التشكيلي من وحي سوق الفن وعوالم الملكية الفكرية»، فإن ذلك لا يقلل من أهميته في إشاعة الوعي الحقوقي عربيا، وقيمته كموضوع قلما تتناوله ساحة التأليف في الثقافة العربية، بما يقاربه من إشكاليات وقضايا، تضع علامات استفهام كبرى حول مسألة «حقوق الملكية الفكرية» التي ما زالت تعاني، أو بمعنى أصح يعانيها المبدعون والمنتجون والفنانون في جل العالم العربي، حيث تم تجاهل القانون أو اللاكتراث به، والاعتداء عليه، سواء من مسئولين أو أفراد أو مؤسسات، خاصة في ظل انتشار منصات الشبكة العنكبوتية التي أتاحت المجال واسعا أمام انتهاك الحقوق، فمئات من اللوحات الفنية الخاصة بجيل الرواد من الفنانين التشكيليين في مصر تعرضت لـ«اختفاء» مريب، مخلفة أسئلة: كيف اختفت؟! وماذا يعني اختفاء لوحة واحدة في أي دولة؟.

الموناليزا المصرية

يحاول جاهدا الباحث والقانوني في حقل الملكية الفكرية ياسر عمر أمين البحث عن إجابات لهكذا أسئلة، ويوثق في كتابه قصصا وحكايات لاختفاء أعمال فنية مصرية، سُرقت وبيعت خارج مصر، منها لوحة «تأملات» للفنان أحمد صبري، المعروفة باسم «الراهبة» أو «الموناليزا المصرية»، التي فقدت من متحف الفن الحديث خلال عرضها بالخارج في ستينيات القرن الماضي، ولم تعد حتى اليوم إلى المتحف، وهي العمل الذي جسد فيه «صبري» الفن الكلاسيكي، وحاز بواسطته ميدالية الشرف من صالون باريس الدولي في 1929، حيث اقتنيت اللوحة بـ75 جنيها من قِبل متحف الفن الحديث وقتها، بينما تقدر قيمتها حاليا بـ75 مليون دولار تقريبا، بالإضافة إلى لوحة الفنان الرائد محمود «ذات الجدائل الذهبية»، التي وصفت بأنها «أيقونة السريالية» إبان عرضها في أول معرض جماعي للسرياليين المصريين في 1940.

وأيضا لوحة عبد الهادي الجزار «إنسان السد»، التي أكدت ابنتاه (ياسمين وفيروز) - وفقا للكتاب - رؤيتها بمتحف الفن الحديث في مارس 2012.

كما تناول الكتاب الآليات القانونية التي يمكن من خلالها تتبع مصدر الأعمال الفنية.

الممارسات المهنية

يشير «أمين»، في كتابه، إلى اللوحات المزورة، ويصفها بـ«اللوحات المنسوبة»، وتزييف لوحات فنية للفنانين الرواد، مستشهدا بلوحات مزورة لمحمود سعيد وكامل مصطفى، كان قد ذكرها ابنه الدكتور يوسف. ويوضح أنه يتطلع، من خلال تأليف هذا الكتاب، إلى إطار قانوني يحكم سوق الفن، في ضوء قانون الملكية الفكرية، ومعالجة توثيق صحة الأعمال الفنية في سوق الفن، وتداعياتها القانونية، مركزا على قضية تقليد أسلوب الفنانين في الإطار القانوني، خاصة فيما يتعلق بالتشابُه بين الأعمال الفنية، وتحديد ما يبين كل من التأثر والتقليد. واستعرض «أمين» النسق القانوني لإصدار شهادات توثيق صحة الأعمال الفنية، ورصد ظاهرة «الاختفاء الغامض» لبعض اللوحات الفنية للفنانين الرواد.

كما يستعرض الكتاب قضايا لها أهميتها في سوق الفن مثل التحديات التي تواجه الفنانين الشباب مثل الإطار الحاكم للمعاملات التي تتم ما بين الجاليري والفنان، وإشكالية التماثيل الميدانية، وحقوق مؤلِّف النحات، وقضية تقليد وتزوير الأعمال الفنية، وموقف القضاء المصري منها، وإشكالية اللوحات الفنية المنسوبة للفنانين الرواد، والإطار القانوني الحاكم للحق في نسبة العمل الفني، وذلك في ضوء قانوني الملكية الفكرية وسوق الفن، والأحكام القضائية المصرية والمقارنة، وكذلك الممارسات المهنية المتعارف عليها في سوق الفن على المستوى الدولي.



ياسر عمر أمين أبو النصر

باحث وكاتب في مجال الملكية الفكرية، واستشاري في مجال قانون سوق الفن.

وُلِدَ 1988 في مدينة تولوز- فرنسا.

تخرَّجَ في قسم اللغة الفرنسية بكلية الحقوق - جامعة عين شمس 2009.

دبلوم جامعي للدراسات القانونية الفرنسية (DUEJF) من جامعة جان مولان 2009.

دبلوم الدراسات العليا في الملكية الفكرية 2010 من جامعة حلوان (المعهد الإقليمي للملكية الفكرية).

ماجستير في القانون (تخصُّص «الملكية الأدبية والفنية») من جامعة حلوان 2012.

مؤلفات

«الحماية القانونية للعطور وفقا لقانون حق المؤلِّف الفرنسي في ضوء آراء الفقه وأحكام القضاء» (2011)

موسوعة «الجامع الياسر في حق المؤلف وقانون سوق الفن في مصر وفرنسا» (الجزء الأول - 2013)

«الذاكرة المفقودة لتاريخ قانون حق المؤلف المصري» (2015)