بين الموت والموت حياة، وبين الحياة والحياة موت!،«خلقنا للحياة وللممات ومن هذين كل الحادثات»، بيت من قصيدة أحمد شوقي «الحادثات».

سنة الله تعالى في خلقه، فراق عقب لقاء ولقاء يعقب فراق، دائرة تدور بالحامل والمحمول، وبينهما مستبصر وبصير، مآسي ومواسي، فاقدون مفقودين، ولما كان الإنسان بفطرته يأنس بغيره ويتأسى بمن سبقه، جاء الإسلام «صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً»، بفضائله وآدابه الاجتماعية الرفيعة السامية بالنفس البشرية فكان منها التعزية والعزاء.

العزاء لغة: الصبر، والتعزية: التصبر، ومعناها الحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب وتخفيف حزنه ويهون عليه مصيبته. عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله -عز وجل- من حلل الكرامة يوم القيامة»، جبر للخاطر ومواساة لمكلوم فقد عزيزاً، وتوثيقا لعرى الترابط والأخوة المجتمعية، لكن ما نشهد في واقعنا اليوم لكثير من القيم الإنسانية والعادات الأصيلة ينقلب رأساً على عقب! .

فالمآتم يستحيل اليوم لمناسبة اجتماعية.. الداخل مفقود والخارج مولود!، ولائم تُقام.. قهقهات، أحاديث جانبية، هزل وجد دون مراعاة الحالة النفسية التي يمر بها أهل المتوفى، ناهيك عن السؤال كيف ومتى؟!.

قيل إن أعرابياً مات له ثلاثة بنين في يوم واحد فدفنهم وعاد إلى مجلسه، فجعل يتحدث كأنه لم يفقد أحدا، فلاموه في ذلك، فقال: «ليسوا في الموت ببديع، ولا أنا في المصيبة بأوحد، ولا هوى للجزع، فعلام تلومونني».

ويروى أنه مات أخو الحسن البصري فأجهش عليه بالبكاء، فقال له رجل، وأنت يا أبا سعيد تبكي! فقال لقد بكى يعقوب يوسف حتى ابيضت عيناه.. فما عيره الله بذلك.

ومما يذكر أن العرب في جاهليتها لم يؤثر عنها عزاء في شعرها، والذي كان عمود حياتها ولسان حالها إلا من رثاء لتحفيز الهمم والعزائم علي الأخذ ب الثأر –إذا كان قتيلاً.

لا شك أن العزاء سنة وحق المسلم على أخيه المسلم، لكن لا يُنكر عاقل أن بعض الممارسات تخلق تشويهاً لجوهر العزاء في الإسلام، ولكن مع ذلك تبقى روحه قائمة مواساة وجبر، ولحمة اجتماعية تتجلى في أبهى صور الترابط و التآخي.