جدل كبير تشهده كثير من الدول حول حقوق المثليين (الشواذ) في الإعلان عن أنفسهم واعتراف المجتمع بهم وتقنين أوضاعهم، وعدم التمييز بينهم وبين بقية شرائح المجتمع، وكأن هذا الفعل المحرّم الذي ينافي الفطرة السوية والذي ترفضه الأديان السماوية جميعا في طريقه لأن يصبح، ولعله قد أصبح بالفعل ممارسة طبيعية في عدد من دول العالم.

ولا نستبعد بأن ما تم من تشريعات في الغرب حول هذا الموضوع ربما نجد من يطالب بحدوثه بيننا، ليس من باب التبعية فقط، بل لأن العالم أصبح في ظل النظام الذي يحكمه حاليًا أشبه ما يكون بدولة واحدة، لاسيما في ظل وجود المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي تحاول بين فترة وأخرى تمرير قوانين تدعم الحق في اختيار الجنس وعدم التمييز ضد المثليين.

اللافت في الأمر هو أن الشواذ الذين كانوا بالأمس أقلية في أوروبا وبعض دول أمريكا اللاتينية، يتوارون عن الأنظار ولا يريدون غير غض الطرف عنهم، تحولوا خلال سنوات قلائل من موقف المستضعف إلى المستقوي، بعد أن تمكنوا من توظيف دوائر ضغط مشبوهة في الولايات المتحدة وأوروبا للدفاع عنهم والاعتراف بحقوقهم المزعومة، ويتطلعون لتمرير تشريعات دولية تسمح لنظرائهم في الدول الأخرى بممارسة الشذوذ كما يؤكدون بأنهم يستهدفون الأجيال القادمة، وهم بطبيعتهم لا يعرف الحياء إلى قلوبهم ووجوههم سبيلا.

بدءًا ينبغي الإشارة إلى أنه ليس صحيحًا أن جميع الدول والمؤسسات في الغرب تقف إلى جانب المثليين، فالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصدرت حكمًا بإجماع 47 من قضاتها في أغسطس 2018 بأن (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان) لا توجب إقرار الحق في زواج المثليين، وأن المادة (12) من الاتفاقية تمنع ممارسة ضغوط على أي دولة في العالم لإقرار مثل هذا النوع من الزواج، مشيرة إلى أنها اعتمدت في حيثيات قرارها على النظام الطبيعي، والحس السليم، والتقارير العلمية.

ولكن الخطوة التي أثارت الانتباه خلال الفترة الماضية هي أنه رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يتشدد في منع الترويج لأي عناصر سياسية خلال ممارسة اللعبة، إلا أنه غض الطرف عما قام به الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بتخصيص الجولة 13-14 لدعم المثليين، هذه الخطوة تستمد خطورتها من أن الدوري الإنجليزي هو الأقوى في العالم حاليًا، ويحظى بمتابعة عالية في الدول العربية والإسلامية من فئة الشباب الذين يتأثرون بطبيعة الحال بما يشاهدونه.

السؤال الذي يتبادر الآن إلى الأذهان هو، ماذا سنفعل إذا فوجئنا بأن هناك من ينادي بتشريع هذا الحق في دولنا العربية والإسلامية؟ قد يستبعد البعض ذلك وينظرون إليه على أنه نوع من المبالغة، ولكن التجارب علمتنا أن كثيرًا مما كان مستبعدًا بالأمس أصبح واقعًا في حياتنا، وأنه في عهد العولمة وثورة الفضائيات لا يوجد مستحيل.

إذا يجب علينا أن نبادر بالتصدي لهم، وضرورة عدم انتظار الكارثة لنبدأ التحرك بعدها، ولأن الفعل أكثر تأثيرًا بطبيعة الحال من رد الفعل، فمن الضروري زيادة الاهتمام بهذه القضية، على أن يكون التحرك ضمن أكثر من محور، وعدم الاكتفاء بالتشريعات القانونية التي تعاقب المخطئين.

لا بد من تكثيف جرعات الوقاية للشباب والأطفال منذ سن مبكرة بخطورة هذه السلوكيات غير الطبيعية، وأن تكون الوقاية بأساليب شيقة جذابة تستقطب اهتمام الفئة المستهدفة، بعيدًا عن الوعظ المباشر والأساليب التقليدية التي لا يتجاوب معها الشباب. كذلك لا بد من مشاركة جميع فئات المجتمع في تلك المهمة ابتداء بالأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية.

كما أن هناك دورًا كبيرًا ينتظر من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحظون بمتابعة أعداد كبيرة من الشباب. هؤلاء المؤثرين على عاتقهم مهمة كبرى أتمنى صادقًا أن يتمكنوا من استيعابها وتقدير أهميتها، فهم نجوم الفترة الحالية وأصحاب الصوت الأعلى، وبدلًا من ترصد أخطائهم فإننا نكون قد حققنا مكسبًا كبيرًا إذا استطعنا عبر جميع الأدوات الممكنة ترشيد أدائهم وتوجيههم لما يحقق مصلحة المجتمع.

في آذان هؤلاء أهمس بأن هناك ما هو أهم من التريند وارتفاع نسبة المتابعة وتحقيق الأرباح الأعلى، فالأوطان تحميها سواعد أبنائها، وثوابت المجتمع تحفظ باستنهاض الهمم واستنفار القدرات، فالواجب يستدعي مساهمة الجميع، فهل أنتم فاعلون؟