نصف قرن من العلاقات

واتسمت العلاقات بين الرياض ومسقط - وهي تتخطى بعمرها نصف قرنٍ - بالتعاون والاحترام المتبادل بين القيادتين والتفاهم حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، فيما تجمع أبناء الشعبين وشائج الإخاء، يؤطّرها التاريخ المشترك والعادات والتقاليد العربية الأصيلة والموروث الشعبي، والحال كذلك مع الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي.

وتنضوي إقليمًا جهود المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان مع أشقائهم تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفق رؤى وأهداف إستراتيجية مشتركة، تحقيقًا للتنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وتتسع أدوارهما ضمن جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومع الأسرة الدولية في الأمم المتحدة دعمًا لجهود السلم والأمن.

وتدفع المتغيرات المتلاحقة في المنطقة قيادتي البلدين لمزيد من التعاون على المستويين الثنائي والخليجي والإقليمي للمضي قدمًا في إرساء دائم للأمن والاستقرار وانعكاساتها إيجابًا على برامج التنمية وخدمة شعوب المنطقة.

بحث أوجه التعاون المشترك

ويعكس لقاء القيادتين السعودية والعُمانية للتشاور والتنسيق في مختلف الشؤون التي تخدم مصلحة البلدين والمنطقة واستقراراها- ما يتمتعان به من حكمة وبعد نظر في التعامل مع مستجدات الأحداث وتطوراتها إقليميًا ودوليًا. وجاء تولي السلطان هيثم بن طارق الحكم في سلطنة عُمان في مرحلة تاريخية مهمة نظراً لما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، تتطلب التعامل معها مع مراعاة المحافظة على تقاليد الحكم الراسخة في السلطنة، وضرورات ومتطلبات التغيير والتحديث، حيث بادر حينها بالإعلان عن إصلاحات سياسية ومالية واقتصادية، وتطوير هيكلة أجهزة ومؤسسات الدولة لتصبح أكثر فاعلية في تلبية آمال وطموحات الشعب العماني، والمحافظة على سلامة واستقرار البلاد، وفي الوقت ذاته تعهّد السلطان هيثم بمواصلة النهج الذي اتبعته عُمان في سياستها الخارجية، والتزامها بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ودفع مسيرة العمل المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويمضي جلالة السلطان هيثم بن طارق في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية بخبرة متراكمة من العمل الدبلوماسي والحكومي، امتدت لسنوات طويلة قبل توليه الحكم، لا سيما توليه رئاسة اللجنة الرئيسة للرؤية المستقبلية «عمان 2040».

يبدأ ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان جولة على دول مجلس التعاون الخليجي يستهلها بزيارة رسمية اليوم إلى سلطنة عُمان يتم خلالها بحث عدد من المجالات والجوانب ذات الاهتمام المشترك وذلك لخدمة المصالح بين البلدين الشقيقين وبما يحقق تطلعات وآمال الشعبين لمستقبل أكثر رخاء ونماء وازدهارًا. وأكد بيان عُماني أن الزيارة تأتي «انطلاقًا من العلاقات التاريخية الممتدة التي تربط سلطنة عمان والسعودية، وتعزيزًا لأواصر المودّة والمحبة ووشائج القُربى التي تجمع شعبي البلدين، واستكمالًا لما أسفر عنه اللقاء بين سلطان عمان هيثم بن طارق، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أثناء الزيارة للسلطان هيثم إلى السعودية في شهر يوليو الماضي.

تعزيز العلاقات الاقتصادية

وفي إطار العمل المشترك بين البلدين لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما تشكّل رؤيتا المملكة 2030 وعُمان 2040 قاسمًا مشتركًا في مجال التجارة والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، بما يحقق لكلا البلدين تنوعًا في اقتصادهما ومصادر دخلهما. وفي سياق الرؤية العُمانية فقد اعتمدت على ما تتمتع به من استقرار سياسي واقتصادي، وجاءت في المرتبة 23 في احتياطي النفط على مستوى العالم، والمرتبة 27 في احتياطي الغاز، واتخذت السلطنة خطوات ملموسة في سبيل تنويع مصادر دخلها القومي وتقليل الاعتماد على النفط.

كما أتاح موقع عُمان الإستراتيجي واستقرارها السياسي والأمني ميزة تنافسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وسعت السلطنة إلى استثمار هذه الميزة من خلال تأسيس عدد من المناطق الاقتصادية والموانئ، والتركيز على قطاعات واعدة، أبرزها قطاعا السياحة والخدمات اللوجستية، إلى جانب تميزها بمقومات طبيعية فريدة جعلت من السلطنة وجهة سياحية للأسر السعودية والخليجية، التي تتشارك مع الشعب العماني المضياف في الدين واللغة، وتقارب العادات والتقاليد الاجتماعية.

مجلس التنسيق السعودي العُماني

وتعزيزا للجهود التشاركية، يتطلّع الجانبان إلى أن يسهم «تأسيس مجلس التنسيق السعودي العُماني» في وضع رؤية مشتركة لتعميق واستدامة العلاقات، ورفعها إلى مستوى التكامل في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنموية والبشرية.

ومن أهم المكتسبات للبلدين الجارين على المدى القريب استكمال مشروع المنفذ البري الرابط بين المملكة وعُمان بمسافة تتجاوز 680 كيلو مترًا، ليسهم بعد افتتاحه -بمشيئة الله- في تسريع وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، لاختصاره نحو 800 كيلو متر من زمن الرحلة، كما سيفتح المجال أمام حركة البضائع من المملكة مرورًا بالطرق البريّة في السلطنة وصولاً إلى موانئها، ومنها تصدّر لمختلف دول العالم.

يذكر أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين المملكة وعُمان العام المنصرم 2020، بلغ 3.36 مليارات دولار، شملت منتجات الحديد والصلب ومنتجات كيميائية عضوية، فيما بلغت قيمة الصادرات السعودية غير النفطية إلى سلطنة عُمان 1.16 مليار دولار، شملت منتجات معدنية ومصنوعات من الحديد أو الصلب والأغذية.

اتفاقيات متوقعة خلال الزيارة

استثمارات في مشروع إقامة منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم

التعاون في مجال الطاقة

شراكة في مجال الأمن الغذائي والتعاون في الأنشطة الثقافية والرياضية والسياحية المختلفة.

افتتاح أول منفذ حدودي بري مباشر بين البلدين بطول 800 كيلومتر.

أهمية توحيد المواقف تجاه مختلف القضايا السياسية الإقليمية والدولية.

انتهاج سياسة الاعتماد على الذات الخليجية في مواجهة أي تقلبات لمواقف دولية.

توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم في مختلف الميادين وبخاصة ما يتصل بقطاعات الاقتصاد والتجارة والاستثمار.

التعاون بين البلدين

وتتّجه بوصلة العلاقات السعودية العُمانية في هذه المرحلة التاريخية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والسلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان إلى آفاق أرحب من العمل المشترك والاستثمار في المقدرات الوطنية كقيمة مضافة في مختلف المجالات، تعود على البلدين بمزيد من الازدهار وتحقيق تطلعات الشعبين الشقيقين.

وأسّست مبادئ الأخوة ووحدة المصير لثوابت راسخة بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان عززت من أوجه التعاون الثنائي المشتركة مع الأشقاء في «البيت الخليجي»، ومنطلقًا لمدّ جسور التفاهم والحوار مع مختلف دول المنطقة والعالم لتحقيق الأمن والاستقرار.