«أطيب الأماني، أتمنى لك مستقبلًا مشرقًا مليئا بالنجاحات، تتحقق فيه كل أحلامك...، كل التوفيق، إلى المزيد من العطاء والترقي»، أقوال وأمنيات الخير والمحبة في حياة الناس، هي ليست سوى باقات من ورود التعابير نغزلها، لتظهر في أجمل حلة كي تُعبّر عن أعظم آمالنا، بالفرح والسعادة والنجاح، لأولئك الذين هم داخل دائرة حياتنا وخارجها أيضا، وغالبا ما نستخدم كلمة «الأفضل، كل، أطيب، أكثر» لدفع تلك الأمنيات إلى أقصى الحدود، لأننا في أحيان كثيرة نهتم كثيرًا بعمليات التأكيد والتضخيم، لنعبُر من خلالها إلى قلوب الآخرين.

لكن رغم كل هذه الأمنيات الطيبة والدعوات الصادقة، ورغم كل النعم التي يحيطنا بها الخالق سبحانه وتعالى، نجد أنه من النادر جدًا رؤية شخص يشعر بالرضا بما يمتلكه!، فبالكاد نسمع من يخبرنا أن لديهم ما يكفي من شيء ما، ربما يكون هذا الأمر يتعلق بالمال، أو الحب، أو الأصدقاء، أو الوفرة من الممتلكات، أو حتى أي شيء آخر مثل المركز أو الانتشار والشهرة، فالناس دائمًا يبحثون عن المزيد، والسعي وراء المزيد والأفضل لا يمكن إيقافه!. في الحقيقة نحن راضون بما لدينا إلى أن نعتاد وجوده أو يصبح قديمًا... نريد للأشياء أن تكون الأحدث، والأكبر، والأفضل، والأجمل، إن المتعة لدينا تمر دائما بدائرة مفرغة!. فعادة ما نشعر بالمتعة في مرحلة الترقب والانتظار، ولكن متى ما تم الاستحواذ ينخفض مستوى السعادة، فنبدأ في البحث عن شيء جديد ليحل محله، ومع ذلك فهناك أمنية أقل روعة في الصياغة، ولكنها أعمق وأجمل في معانيها، فالسحر يكمن فيما تتضمنه من تعابير، تجمع ما بين الأضداد لتحقيق التوازن وإصابة الهدف، ألا وهي: «أتمنى لكم ما يكفي...».

سأعرض عليكم قصة منسوبة للمؤلف «بوب بيركس»، تُجسد هذا المعنى. ربما الكثير منكم على دراية بالقصة، لأنها انتشرت كثيرا على الإنترنت. تصادف أن راوي القصة كان موجودًا في أحد المطارات، واستمع إلى حديث دائر بين أم وابنتها، في بعض النسخ الأخرى لأب يودع ابنه، الذي كان على وشك الصعود للطائرة، وكلاهما يدرك أنها قد تكون كلماته الأخيرة للآخر، بما أن الأب كان يعاني من مرض خبيث، ويعلم أنه ربما لن تكون له فرصة أخرى يرى فيها ابنه!. بعد المقدمة التي يشرح فيها الراوي المشهد، يضع بضعة أسطر من قصيدة بعنوان: «أتمنى لك ما يكفي»، تستند أسطر القصيدة على الآمال والرغبات، التي كانت لدى الأب لابنه، أراد تلخيص عمر من الحب في لحظات معدودة، إنها قصيدة أمل تحمل في طياتها الاعتراف بالوداع الأخير، دعوة صارخة للابن ليعيش الحياة، للاستمتاع بكل لحظة فريدة من نوعها، وأن ينظر إلى كل ما يمر عليه من أفراح أو آلام، على أنها كلها نعم يجب أن يقدرها ويتعلم منها.

بقدر المرات التي أعدت فيها قراءة القصيدة، بقدر ما تساقطت الأدمع على وجنتي!، فكم ركزت على السلبيات في حياتي، غير مدركة أنها أيضا من النعم، وفي كل مرة أتذكر وأخجل من الله أنني ضعفت، أو أنني فقط فكرت بالتراجع، فأعيد رفع أشرعتي وأبحر من جديد بكل ثقة وتفاؤل في رحاب نعمه ورحمته، وإليكم ترجمة القصيدة: «أتمنى لك ما يكفي من ضياء الشمس لتبقى مشرقًا، بغض النظر عن الألوان الرمادية التي قد تحيط بك، أتمنى لك ما يكفي من المطر لتقدّر الأيام المشمسة، أتمنى لك ما يكفي من السعادة لتحافظ على روحك حية ومتفاعلة مع الجمال حولك، أتمنى لك ما يكفي من الألم حتى تبدو لك أصغر الأفراح أكبرها، أتمنى لك ما يكفي من المكاسب لإرضاء رغباتك، وأتمنى لك ما يكفي من الخسارة لتقدير ما لديك، والأهم من ذلك كله أتمنى لك ما يكفي من اللقاءات، حتى تحتوي وتحتمل الوداع الأخير». عندما نتمنى مثل هذه الأماني لشخص ما، فنحن نتمنى له أن يمر بما يكفي من الخبرات، والمواقف الجيدة والسيئة، حتى يتمكن من تجربة الحياة وإعطائها حق قدرها من المراجعة والتفكير والتمعن، فنحن لسنا بحاجة إلى كل شيء، نحتاج فقط إلى ما يكفي لتحقيق أهدافنا حتى نتمكن من أن نقوم بأدوارنا!.

أتمنى لكم ما يكفي من السعادة لتدركوا أن هذا العالم جميل، حتى في الأيام التي نشعر فيها بظلم وجنون ووحشية الكثير ممن فيه، أتمنى لكم ما يكفي من بلسم التسامح حتى تتطهر أرواحكم، وأتمنى لكم ما يكفي من المرونة للبدء من جديد بعد كل أزمة، أتمنى لكم ما يكفي من الثقة، حتى تصبحوا قادرين على تخطي الصعاب لكن بدون غرور، تعدٍ أو انتقام، أتمنى لكم ما يكفي من الألم حتى تتعلموا الوقوف بثبات على الأرض، وأن تثقوا بقدراتكم وتشهدوا عدل الخالق ورحمته.

بالنهاية أتمنى لكم من كل شيء ما يكفي....