تعدُّ استطلاعات الرأي الدورية من أهم الطرق والأساليب العلمية في قياس تأثير الأزمات الاقتصادية، حيث يطرح فيها مجموعة من قيادات الأعمال مرئياتهم وتوقعاتهم حيال أهم الأولويات والتحديات التي تواجههم على المدى المتوسط والبعيد، وفي هذا المقال سأقوم بتقديم قراءة ميَّسرة عن نتائج أحد استطلاعات الرأي الحديثة التي أجريت مع بعض قيادات الأعمال بعد مرور أكثر من عشرين شهرًا على جائحة كورونا، والتي لا يزال العالم يعاني من تأثيرها على جميع الأصعدة والمستويات الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

فبالرغم من التفاؤل باتجاهات التعافي التي نلمسها اليوم في اقتصادنا الوطني ولله الحمد، ينبغي علينا أن نشير إلى التحديات التي أحدثتها جائحة كورونا، والتي هي بالمجمل تحديّات دافعة نحو التغيير إلى الأفضل بأمر الله تعالى فقد أشرت في عدة مقالات سابقة أنَّ التقنية هي عنصر مهم في جميع عمليات التحول المؤسسي. فقطاع الأعمال يواجه تحديات كثيرة وتغييرات سريعة تحثُّه نحو الاستثمار في التقنيات المرنة وتطبيق مبادئ الحوكمة لها، والتي بدورها تتطلب الاستثمار في القدرات والمهارات البشرية، ورفع كفاءتها بصورة مكثفة، وذلك حتى يستفيد منها قطاع الأعمال بشكل خاص، والمجتمعات بشكل عام.

وإذا ما نظرنا لجهود الرؤساء التنفيذيين للشركات في السعودية؛ فسوف نجد أنَّ غالبيتهم كما أظهر الاستطلاع خلال هذا العام، قد وضعوا في مقدمة أولوياتهم تضمين ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في خطط أعمالهم لتحقيق أهدافهم الإستراتيجية، إلى جانب التوظيف الأمثل للتقنيات الأكثر إبداعًا وابتكارًا بغرض تحقيق الميزة التنافسية.

وما يدعونا للتفاؤل حول قطاع الأعمال في السعودية، أنَّ ثقة الرؤساء التنفيذيين (المشاركين في استطلاع الرأي) في النمو الاقتصادي قد ازدادت، وذلك بالرغم من حالة عدم اليقين التي أحدثتها جائحة كورونا، إذ أن 90% منهم، أظهروا الثقة من خلال توقعات النمو في شركاتهم خلال السنوات الثلاث المقبلة بإذن الله تعالى، وهذا عائد لعدة عوامل من وجهة نظري الشخصية يطول الحديث عنها لكن من أهم هذه العوامل حسن إدارة الأزمة خلال الجائحة.

ويجدر بي الإشارة إلى أن نتائج الاستطلاع كانت متوافقة تمامًا مع التوقعات الاقتصادية في تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أكتوبر 2021، والذي توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 2.8% في عام 2021، فيما توقع النمو بنسبة 4.8% في عام 2022، وهذا يؤكد وبحمد الله اتجاه الاقتصاد السعودي نحو التعافي والنمو المستدام.

الكل يعلم أنَّ عالم الأعمال هو عالم قائم على استراتيجيات وخطط ومتابعة، لكن من أبرز الاستراتيجيات التي ينبغي للأعمال تطبيقها والعمل عليها اليوم استراتيجية المرونة الرقمية (Digital agility)، إذ من شأنها أن تبقي الشركات في الصدارة حيث لابد أن تعمل الشركات في السعودية على تعزيز وتسريع مبادئ حوكمة المرونة التشغيلية، فهي تضمن بأمر الله التعافي من أي أزمة بشكل أفضل ووقت أسرع ، بجانب الحفاظ على سلامة وأمن سلاسل الإمداد، ومنظومة الموردين الخاصة بقطاع الأعمال.

إلى جانب ذلك، فإنَّ الشراكات الاستراتيجية والتحالفات بلا شك تسرّع عملية الابتكار الرقمي واكتساب قدرات تقنية نافذة، الأمر الذي يسهم بصورة كبيرة في تسريع الخطوات في هذا المجال، حيث نجد حاجة ملحة في كثير من الأحيان لدى عديد من الشركات لدخول طرف آخر خارجي شريكًا معهم بصفته مزودًا للبيانات، وتدعم هذه الشراكة المرونة والتحول الرقمي، خاصة أنَّ النتائج التي خلصت إليها استطلاعات الرأي العام، قد أظهرت أنَّ الكثير من الشركات في السعودية تميل بشكل كبير إلى الاستثمارات في قطاع التقنية لتحقيق النمو، وخلق قيمة مستدامة، بالإضافة إلى تحسين الأداء المالي، لأنَّ التقنية كما أشرت سابقًا أصبحت هي الثابت الرئيس في عالم الأعمال المتغير.

ومن جانب آخر، ووفقًا لما فرضته جائحة كورونا من واقع جديد في قطاع الأعمال، وجدنا أنَّ الرؤساء التنفيذيين أصبحوا يستجيبون سريعًا لمتطلبات الأسواق، وهنا أقصد بالتحديد تطلعهم لعقد صفقات اندماج واستحواذ، حيث أصبحت في ظل الواقع الجديد أحد أبرز الطرق الرئيسة لبناء قدرات جديدة بشكل سريع، مع دعمها لزيادة فرص النمو المستدام للشركات.

وختامًا بالرغم من أنَّ التقرير يعرض وجهة نظر عدد محدود من المديرين التنفيذيين، إلا أنه أظهر وبفضل الله درجة عالية من الوعي لدى المشاركين في الاستطلاع، في كيفية إدارة الأزمات والاستعداد لها من خلال تركيزهم على مفهوم المرونة وتحديد قائمة الأولويات لمواجهة التحديات المستقبلية، كما أكدوا بوضوح مدى متانة الاقتصاد السعودي والمؤشرات الإيجابية في التعافي من أثار الجائحة ولله الحمد. وقد جاءت التوقعات ومسار الأعمال المنبثقة منه، متوافقة مع التوقعات الاقتصادية في تقرير صندوق النقد الدولي، مما يدل على أن الاقتصاد السعودي بالرغم من كل التحديات على مسار واضح ومتين بفضل الله وتوفيقه.