الفقر هو نظرتنا الأحادية عن الهند، ونظرتنا الأحادية عن إفريقيا هي الجوع والأمراض. نظرة الأمريكان للمكسيكيين مرادفة لكلمة هجرة. الكذب والخداع هما نظرتنا الأحادية لبعض الدول، النظرة للشرق الأوسط في أعين الغربيين مكان تستوطنه السلبية ومستنقع للخلافات والظلام، والمواطنون فيه عبارة عن نصف شيطان ونصف طفل، يتبعون أهواءهم بكل أنانية، وحب التملك يسيطر عليهم.

نحن ضحايا لهذه النظرة الأحادية بلا وعي منا، فقد تسللت التراكمات عبر عقلنا الباطن عن طريق رسائل مختلفة كانت وما زالت تأتينا من وسائل وأشخاص لا نذكرهم ولا نعرف متى، وهنا مكمن الخطورة، وهذه هي الطريقة التي تجعلنا نخلق قصة ونظرة واحدة للأشخاص وكأنهم شيء واحد.

من المستحيل الحديث عن القصة الواحدة أو الزاوية الواحدة فقط من الأشياء والكيانات دون الحديث عن السلطة، ولأن القاعدة العامة التي يعاملنا بها باقي العالم «لن تصبح أعظم من الآخر»، ويستفزهم أي حراك إيجابي تنموي، ويثير جنونهم أنك اقتربت من معاييرهم!، فالسلطة ليست فقط أن تحكي قصة عن الشخص الآخر، بل جعل القصة تعريفا لذلك الشخص.

الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي يقول: إذا أردت أن تسلب الناس فإن أسهل طريقة هي أن تروي قصتهم وتبدأ بـ«ثانيا» وتهمل بل تلغي أولا. كمن يبدأ القصة مثلا بسهام الأمريكيين الأصليين وليس بوصول الإنجليز لأمريكا!، وهنا سوف تحصل على قصة مختلفة تماما.

ابدأ القصة بفشل الدول الإفريقية وتقهقرها، وليس مع استغلال الاستعمار لدول إفريقية، والنماذج كثيرة في مجتمعاتنا العربية وحتى محليا. كثير من القصص التي تصدر في الإعلام، تبدأ بردة الفعل لا الفعل، بـ«ثانيا» وليس أولاً. فشعوب العالم الآن أصبحت ترى المملكة بأنفسها وبأعينها، والقصة تبدأ أولاً دون أجندة الإعلام الغربي التي تبدأ معنا مباشرة بـ«ثانيا»، وفي أغلب الأحيان ثالثا ورابعا.

التركيز على السلبيات يجعل قصصنا سطحية وسلبية للغاية، النظرة الأحادية تخلق التنميط، ومشكلة الصورة النمطية ليس بأنها غير صحيحة، ولكنها غير مكتملة. ومع تراكم الخبرات تعلمنا الحياة أنه من المستحيل التعامل بشكل صحيح مع أشخاص أو أماكن دون اصطحاب كل القصص عن ذلك الشخص، أو إمكانية عدم الاكتفاء بقصة واحدة عنه. ولعل أبشع ترسبات القصة الأحادية والنظرة الوحيدة، هي أنها تجرد الناس من الكرامة وتجعلنا نشعر أن العدل والمساواة صعبة، وتؤكد على مبدأ كم نحن مختلفون أكثر من كم نحن متشابهون!.

القصص استخدمت للسلب والإهانة والتشويه، ولكنها أيضا استخدمت لإضفاء الجانب الإنساني وتحسين السمعة. القصص تستطيع كسر كرامة الشعوب والأشخاص، ولكنها في المقابل يمكن أن تستخدم لإصلاح تلك الكرامة المكسورة!.

الحكم على الناس من خلال زاوية واحدة عرفناها عن قصتهم موجود في كل المجالات، فالكثير من القصص عن أشخاص أفرطنا في عواطفنا تجاههم سلبا وإيجابا دون أن نعرف القصة كاملة عنهم. لذا، عندما نرفض فكرة النظرة الأحادية، وندرك أنه لا توجد على الإطلاق قصة واحدة حول أي مكان وأي شخص، فإننا نستطيع استيعاب بعضنا بعضا بشكل أفضل.