وتحظى الدرب (شمال منطقة جازان) بكثير من المواقع والمعالم والأحداث التاريخية، من حصون وآبار وقطع أثرية وقبور صندوقية وغيرها، بقيت صامدة ردحًا من الزمن، قبل أن يضيع ويندثر عدد منها.
وقبل نحون سبعة قرون، ظهرت قبائل الدرب العريقة بحصونهام القديمة «الدرب، الخلا، قلة الحرب»، وشكلت خط دفاع أول لجازان، وسطرت بموقعة (الكد) الشهيرة ضد الأتراك علامة فارقة، دوّن تاريخها العلامة الشيخ إبراهيم زربطان رحمه الله، وأعاد تجسيد أحداثها الشاعر ابراهيم الشعبي بقصيدته «قصة الكد»، وذلك في إطار مبادرات من شباب ومشايخ المحافظة لتوثيق وحفظ وتعريف تاريخها.
تاريخ قديم
يوضح محمد علي الشعبي، شيخ قبيلة شار بن مرعي بني شعبة في الدرب لـ«الوطن» أن «للدرب تاريخا قديما، ومنذ ما يقارب الـ700 عام، بدأت 17 قبيلة من قبائل الدرب الاستيطان في المحافظة، ومن أقدمها ظهورًا بنو شعبة والسبخة وآل ياس، وهذا ما وجدته مؤرخًا في كتاب أهداني إياه الدكتور علي الشعبي رحمه الله، وأذكر أنه كانت في الدرب حصون قديمة ذات أدوار عالية اشتهرت بقوة التحصين والدفاع وحماية الأهالي»، مشيرًا إلى أن مراحل العيش في محافظة الدرب يجب أن تروى للأجيال الحالية، وأنه من واجب الشباب وغيرهم الاهتمام بماضيهم وتاريخهم العريق والمحافظة على آثاره ومعالمه.
قلة الحرب
يبين الشاعر إبراهيم الشعبي لـ«الوطن» أن «محافظة الدرب غنية بالمواقع والأحداث التاريخية ومنها أعلى قمة بالقومة (شرق الدرب)، حيث تقف أطلال حصن (قلة الحرب)، وقدر عمرها بـ200 عام، ويمكن لكل من يزور هذه المنطقة مشاهدة الآثار الباقية في الموقع من حجارة الحصون والدوم وغرف المؤونة التي كانت تستخدم في تخزين المحاصيل».
وأشار إلى أن «حصن قلة الحرب يعد من أبرز المواقع الأثرية بمحافظة الدرب في الوقت الحالي»، مؤكدًا أن قصيدته (قصة الكد) جاءت مناسبتها بعد اجتماعه بأحد كبار السن الذي روى لي أحداث الموقعة وكيف كانت الحرب، وهذا ألهمني لكتابة القصيدة التي قلت في بعض أبياتها:
قصة عجيبة اسمها الكد
وقرون ولت والزمن ما محاها
كان الزمن يرخى وأحيان يشتد
والدرب كم عشة وحصن وراها
موقعة الكد
يقول مدير مكتب الدعوة في الدرب ياسر الأصم «حين كنت صغيرًا كان أبي يحدثني عن (موقعة الكد)، ويذكر أن بعضًا من أهلنا في الدرب استشهدوا فيها، ولم أكن أعلم حينها ماذا كان يقصد بالكد، وعندما كبرت كنا نذهب أنا ومجموعة من الأصدقاء إلى تلك المقبرة، ونشاهد قبورًا جماعية للعثمانيين، ونعثر على حجول وقلائد قديمة في ذلك الموقع، وعندها عرفت واستيقنت ماذا كان يقصد بالكد، وهو ذلك الجبل الأحمر بالقرب من مقبرة بلدة الدرب نسبت له معركة الكد الشهيرة التي وقعت حسب التقديرات في حدود عام 1295 حيث دهم على الدرب من جهة الشرق حامية تركية (عثمانية)، وكان أمير الدرب آنذاك الشيخ إبراهيم بن محمد الشعبي (الأعرج) وقد بذل الشيخ جهوده مع أعيان قبائل الدرب لدفع المعتدين الذين أسروا أعيانًا من الدرب، فاضطر الشيخ مع وجهاء القبائل للمواجهة مع الأتراك ومن حرضهم وعاونهم، وبدأت المعركة صبيحة الأحد، واستمرت عدة أيام، وانتهت بهزيمة العثمانيين وإطلاق جميع الأسرى من الأعيان.
قاف حربي
شرح الأصم أن «شاعر الدرب في ذلك الوقت محمد بن أحمد المشبري من قبيلة آل نخلة بالدرب أرّخ أحداث وأيام تلك المعركة في قاف حربي ونقل عنه حفيده، إبراهيم شرفي، وكتبها ووثقها لي شخصيًّا العلامة الشيخ إبراهيم زربطان رحمهما الله».
معلمان أثريان
فصّل عيسى بن محمد الشعبي شيخ قبيلة آل بن سلة لـ«الوطن» أن «هناك معلمان أثريان مهمان بالدرب، الأول (حصن الدرب) الذي بني عام 1255، وهو حصن حجري ضخم يقع في أعلى قرية الدرب القديم، يتكون من 3 أدوار في أعلاه متاريس لصد العدوان ومتابعة الغزاة، وله حوش من الحجر، يتكون السلم من شجر العرعر وكذلك أبوابه، وفيه مخزن للأسلحة ومخزن للطعام والمؤونة بناه الشيخ إبراهيم بن عرار بن شار الشعبي الذي اشترى الحجارة من جبال السراة، وله مداخل مخصصة تشدد الحراسة عليها في أيام الحروب ويحتمي داخله الأطفال والنساء، وتبقى معهم حاميات أثناء المعارك، وله فوهات للبنادق من جميع الاتجاهات، ويقابله (مسجد الدير) الأثري، أو مسجد الأمير إبراهيم بن عرار، أقدم مسجد بالدرب، وهو باق إلى يومنا الحالي، حيث تم شراء حجره من قبل 4 تجار من الدرب لبناء الجامع من حجر الحصن، وبناء 4 بيوت أو غرف أو مجلس عرفت محليا باسم (جهوة)، وذلك عام 1373 للهجرة، والمعلم الأثري الثاني (حصن الخلا) الذي بناه الشيخ إبراهيم بن عرار الشعبي، وهو حصن رديف لحصن الدرب الأساسي خصص للمراقبة، ويحتمي به الرعاة أثناء الغزو المفاجئ، ويقف مقابل جبل الكد من الجهة الشرقية حراس يطلقون النار ويرفعون الجنابي ليرى السكان لمعتها ويسمعون الأعيرة النارية ويتأهبون للغزو.
وبني حصن الخلا عام 1263 وقد تهدم تدريجيا مع الأعوام والسنين بعدما صمد إلى عام 1390هـ ويعرفه كثير من الأهالي.
بئر أثرية
أشار الشعبي إلى أن هناك بئرًا أثرية قديمة مبنية بالأحجار القديمة بقرية أبو ثور بالدرب تعود للشيخ عبدالباري بن إبراهيم بن عرار بن شار، الذي بنى حصن الخلا عام 1288هـ وبجوار الحصن البئر الباقية إلى اليوم، وعمرها 150 عامًا، وكانت تقع على ممر طريق القوافل للقادمين من اليمن إلى الدرب أو عابري السبيل والحجاج إلى بيت الله الحرام.
وأوضح أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف تسلمت الإشراف على البئر، وهي صدقة أجراها الشيخ عبدالباري وتابعها أبناؤه من بعده.
معالم أثرية باقية وأخرى اندثرت بالدرب
حصن الدرب
حصن الخلا
جبل الكد
مقبرة الكد
قلة الحرب
بئر عبدالباري
مسجد الدير
قبور صندوقية