تقليب الكلمة على عدة وجوه يساعد في العثور على علة اختيارها، كما أن تقليب العادات والأعراف يساعد في فهم علل نشأتها الأولى، ولكل معلول علة ولكل علة سبب، أتوقع أن نصف القراء غادر بالفعل الموقع بعد صدمة العنوان، والنصف الآخر بعد قراءة السطر الأول.

الكلمة التي أقترح تقليبها هي مفردة الترفيه، باعتبارها أصبحت أكثر المفردات ترددا وترديدا في مجتمعنا الجديد، لا أذكر أن كلمة «ترفيه» كانت كثيرة الاستعمال عندنا قبل سنوات قليلة، كنا نستعمل مصطلح الترويح عن النفس أو بالدارج توسيع الصدر، وأغلب استعمالاتها كانت لتشفير نية السفر إلى الخارج، والذي يفك الشفرة يفهم المغزى والدعوة الموجهة إليه.

لدينا أربع مفردات على الأقل للتعبير عن طلب المزيد من الشعور بالسعادة هي الرفاهية والانبساط والترويح، ثم وصل الترفيه الذي سحب غطاءه الضافي على كل التعابير القديمة.

لا شك أن كلمة (ترفيه) اشتقاق من فعل (تَرُفَ)، والاسم هو (تَرَف)، والممارس للترفيه يسمى (تَرِف) الأصل والاشتقاقات تعبر عن وضع الإنسان المترف الذي هو منطقيًا لا يحتاج إلى ترفيه؛ لأنه يعيش في الترف ويتقلب بين خمائله وثماره، لكننا رغم ذلك لو قلبنا أوضاع مترفي دول العالم الأول الثري سنرى أن الترف المعيشي لا يؤدي كثيراً إلى تلك الومضة السحرية التي هي الراحة المتعلقة بشعور سعادة الجسد والعقل والروح والمحيط الاجتماعي.

ثم ماذا بعد، هل يستطيع الإنسان الاستمتاع بترف ترفيهي لا يشاركه فيه غير القادرين مثله ؟، لا أعرف إجابة قطعية على السؤال، لكن استقراء التوازن النفسي البشري يوحي بأن جادة الترفيه الترفي طويلة لا نهاية لها، وكثيرًا ما تنتهي بالإرهاق بسبب السهر وإجهاد الجسد للحصول على متطلبات ترفيه الترفيه، كما هو الحال والحاصل مع نجوم هوليوود ومشاهير المجتمعات المخملية في عواصم الغرب، مثلما أن المبالغة في الطقوس التعبدية المنقطعة عن التأمل الروحي تنهك الجسد وتفنيه، كذلك تفعل المبالغة في طلب الترفيه بصرف المزيد من الأموال والسهر والصخب.

البرزخ الفاصل بين الترفيه الترفي وتعاسة الفقر ومكابدة شظف العيش يتمثل في الحصول على شيء اسمه الرفاهية، وتلك هي المفردة الجامعة بين الحق في رغد العيش والاستمتاع بجماليات الحياة، وارتياح القبول التشاركي في المتاح المقبول القابل للاستدامة.

انتهت الترفيهية الفلسفية أو الفلسفة الترفيهية.. وأسأل الله حسن القبول.