يقال إن أحمد شوقي قال لسعد زغلول: إن التاريخ سيسجل نضالكم وحياتكم بأحرف من نور. فرد عليه الزعيم المصري: سوف يذكرني القلة المهتمون بالسياسة المصرية، أما أنت فسوف تتردد أشعارك في الأقطار العربية كافة، من جيل إلى جيل.

تذكرت هذا الحوار وأنا أعيد التفكير في أغنيتين وطنيتين سمعتهما كثيرًا ومرارًا، وأكاد أعتقد أنهما أهم الأغنيات الوطنية الخالدة في ذاكرة المجتمع السعودي، وأظن بأنهما لن تنتهيا أبدًا ما دامت هناك راية خضراء ترفرف فوق هذه الجزيرة العربية.

الأولى أغنية أبو بكر سالم: يا بلادي واصلي. والثانية أغنية راشد الماجد: عاشقينك. والحقيقة أن كلتا الأغنيتين تعتبران عملين رائعين بديعين ولا تملّ سماعهما.

الجميل فيهما، أنهما جاءتا لتحاكيا زمنهما ووقتهما والمزاج السياسي والشعبي السائد حينها. في الأولى كانت النزعة الروح العربية حاضرة وبقوة، وكانت القيمة الإسلامية مرتفعة بشكل واضح. يقول شاعرها: قوة الإيمان والعزم المتين، يرتقي الإنسان عن إيمان في دنيا ودين. ويؤكد هذا الأمر مقطع آخر يقول: ياللي ناديتي بأعلى صوت وامسلمين، منهج القرآن يا إخوان الصرح المبين، دعوتك للدين قوة، جمعت شمل الإخوة. واصلي والله يحميكِ إله العالمين.

بينما الأخرى جاءت مختلفة نوعًا ما، حيث ركزت على الوطن وعلى مادياته ونجاحاته وأحلامه، نادى فيها الشاعر الوطن بشواطئه وبصحاريه ونخيله وجباله. لم ينظر فيها إلى الشعارات العربية ضمية التي كانت سائدة في فترات سابقة، بل جاءت كلماته كانعكاس لتفكير المواطن السعودي في هذا اليوم الذي لا ينظر إلاّ إلى بلده وإلى رؤيته وإلى نجاحاته التي يحققها عامًا بعد عام. يخاطب شاعرها الوطن وكأنه فرد يمكن له أن يستمع: شايفينك حلمنا بعيوننا، وحافرين اسمك بوسط قلوبنا، حظ عين الحر هايم في سماك، ولا نزل على الأرض أرضك موطنه. ولا يقف الشاعر عند هذا الحد، بل يستدعي تفاصيل الماضي السعودي البعيد، يقول: شايفينك قصة في بيت طين، عن غلا التاريخ وأهله الأولين، تمرة من نجد وفنجال قهوة، ومع دخون العود يأخذنا الحنين. وكذلك يؤكد جغرافياته مثلما يؤكد تاريخه: عاشقينك من براري حايل وشبة غضاه، ومن سهر جدة وبحرها في مساه.

في الأولى كانت نظرة الشاعر تعكس نظرة الفرد السعودي الذي يعتقد أن لكل الأوطان الإسلامية والعربية حق في وطنه. أما الأخرى فجاءت مخالفة تمامًا للنظرة السابقة، أصبحت الحقيقة التي يؤمن بها المجتمع السعودي وخصوصاً بعد الهجمات الشرسة التي انكشفت له في السنوات الأخيرة؛ مثلما جاءت العبارة الأخيرة في القصيدة نفسها: يا وطنا أنت الأول والأخير.

العجيب في الأمر، أن الأغنيتين لم تتحدثا بشكل واضح لا عن الملك فهد ولا عن الأمير محمد بن سلمان. ولكنها الذهنية المجتمعية التي أبت إلاّ وأن تربطهما بهما بشكل كبير، إذ لا يمكن أن تستمع لـ: يا بلادي واصلي بدون استدعاء صورة الفهد، ولا يمكن أن تستمع إلى عاشقينك دون مشاهدة صورة الأمير محمد.