رغم المفاجأة التي شكّلها التعميم الذي صدر خلال الأيام الماضية عن الأمين العام للمجالس البلدية بوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، بانتهاء عمل الدورة الثالثة للمجالس البلدية، دون الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات الجديدة، إلا أن شريحة واسعة من المواطنين أبدوا ارتياحهم للتعميم، عطفًا على الإنجازات المتواضعة لتلك المجالس خلال الدورات الثلاث الماضية، والتي يرون أنها أخفقت في تحقيق الإضافة الإيجابية التي كانوا ينتظرونها، وعدم وجود مخرجات حقيقية لها للدرجة التي لا يكاد الواحد منا يشعر من الأساس بوجودها.

تجربة المجالس البلدية منذ إنشائها في العام 1395، لم تكن ناجحة على الإطلاق، واعترتها أوجه قصور متعددة، فعلى الرغم من الآمال الكثيرة التي كانت معلقة عليها، نسبة لأن أعضاءها يأتون بالانتخاب المباشر، إلا أن غالبيتها إن لم تكن جميعها أخفقت في كسب التعاطف، وتسببت في وجود إحباط عام لأن الضجيج المصاحب لانتخاباتها سرعان ما يسكن بمجرد إعلان النتائج ويحل محله الغياب التام.

الأسباب التي أدت إلى فشل التجربة -من وجهة نظري- متعددة، في مقدمتها الغياب الواضح للصلاحيات، وعدم اتضاح المساحة التي يمكن لأعضاء المجالس التحرك فيها لإنجاز تطلعات المواطنين وتلبية رغباتهم، لا سيما إذا أخذنا في الحسبان أن عملها يتعلق بتطوير الخدمات التي تقدمها البلديات، والتي تمثل قرابة %42 من الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع، وعلى الرغم من ذلك فإن رئيس البلدية بحكم النظام هو رئيس المجلس البلدي، فيبدو كمن يكتب التقارير عن عمله ويراقب نفسه ويصدر عليها الحكم بالنجاح أو الفشل!


كذلك فإن اشتراط حصول عضو المجلس البلدي على الشهادة المتوسطة كحد أدنى أسهم كثيرًا في تقليل مخرجات المجالس، لأنه حرمها من أصحاب الكفاءات الذين كان يمكن أن يحققوا كثيرًا من الإنجازات، وأكبر دليل على ذلك هو جهل عدد من أعضاء المجالس بالأنظمة واللوائح التي تنظم عملهم والصلاحيات المخولة لهم، وهو ما ظهر في الحملات الانتخابية حيث تمددت وعود المرشحين وشملت ما لا تملك الأمانات نفسها القدرة على البت فيه.

ومن أبرز العوامل التي أسهمت في الإتيان بأعضاء غير مؤهلين ولا يملكون القدرة على الإنجاز هو تلك التكتلات التي شهدتها الانتخابات خلال الدورات الماضية، وهو ما لا ينبغي السماح به لأنه مهدد رئيسي للحمة الوطنية التي تمتاز بها هذه البلاد المباركة.

ولا يكفي المقام لسرد كافة الأسباب التي أدت إلى ضعف المخرجات، فالسؤال الأكثر أهمية الذي يطرح نفسه الآن هو هل ستعود تلك المجالس بنفس الصورة التي كانت عليها أم أن هناك تعديلات وتطويرًا يتوافق مع ما تشهده المملكة خلال العهد الحالي الذي نستشرف فيه رؤية 2030 التي أحدثت تغيرًا واسعًا في المفاهيم الإدارية، وجعلت المجتمع شريكًا في الرقابة؟

على الصعيد الشخصي أميل إلى الاحتمال الثاني استنادًا على ما ورد في صحيفة «الوطن» بتاريخ 28 أغسطس الماضي من تصريح لأمين عام المجالس البلدية الدكتور يحيى الحقيل بأنه تم الرفع للمقام السامي بإعادة دراسة نظام المجالس البلدية.

التعديلات التي ينبغي إضافتها حتى تمتلك هذه المجالس القدرة على إحداث التطور المنشود أرى أن في مقدمتها إضافة المزيد من الصلاحيات للمجالس حتى تكون أكثر فعالية، وتعديل نظام الاقتراع باشتراط حصول المرشح على شهادة جامعية وأن تتجاوز خبرته في العمل الوظيفي أو التجاري 10 سنوات على الأقل، إضافة إلى منع التكتلات السالبة عند الانتخاب، وزيادة وعي أعضاء المجالس بصلاحياتهم.

من المهم كذلك إعطاء المجالس الاستقلالية المالية والإدارية وعدم اشتراط رئيس البلدية كرئيس للمجلس البلدي الذي يمكن ربط مرجعيته بأمانات المناطق مباشرة. مع تكوين جهة تنظيمية مشتركة لممثلي كافة المجالس البلدية، على غرار مجلس الغرف التجارية، لتبادل الخبرات وترقية الأداء وتطوير القدرات.

ختامًا فنحن نعيش مرحلة استثنائية تخضع فيها كافة الأجهزة للتقييم والمراجعة والتقويم، ولم يعد المواطن يقتنع بأعذار واهية على شاكلة (ليس من صلاحياتي)، فسقف التوقعات بات في أعلى درجاته بعد إقرار الرؤية، والصلاحيات لا تُمنح وإنما تُنتزع بالفكر السليم والعمل الجاد، ما دامت تهدف إلى خدمة المواطن وتحقيق الصالح العام، ومن لا يستطيع ذلك فعليه إفساح المجال للقادرين!.