المرأة العربية في عصر الجاهلية كانت تُقدم على قص شعرها تعبيرًا عن مدى حزنها وزهدها في الحياة، وذلك حينما تفقد غاليًا وحبيبًا كالزوج والابن والأب، فالشعر هو التاج الذي تتباهى به النساء، هو رمز الأنوثة والجمال، وحينما تشعر المرأة أن لا حاجة لها بذلك زهدًا ورفضًا لواقع تريد تغييره تستغني عن شعرها. الشعر ليس مجرد خصلٌ وبصيلات بل هو شعور عميق، وشاهدٌ على مشاعرنا حيث تسري القشعريرة في جلودنا فيستجيب، الشعر دليل علينا فإذا ما أردنا أن نتخلص من كل خيباتنا تخلصنا منه.

هناك علاقة وثيقة بين السلامة النفسية وسلامة الشعر، فإذا ما كانت النفسية سعيدة ومبتهجة تجد الشعر والبشرة في أبهى صورهما، أما إذا كان الأمر عكس ذلك، تبهت البشرة وتهرم ويضعف الشعر ويسقط، معظم الدراسات العلمية أثبتت العلاقة بين صحة البشرة والشعر والصحة النفسية.

الأشخاص يتفاعلون مع الضغوطات والحالة النفسية السيئة، بأشكال مختلفة فمنهم من تصيبه اضطرابات هضمية أو تقرحات معدية، ولكن معظمهم يتساقط شعره وفي أسوأ الحالات يصيبه الشيب المبكر أو تسوء حالة جلده، فإذا كان يعاني من أكزيما أو حب الشباب أو حتى صدفية جلدية، تسوء حالته أو تتحسن تبعًا لحالته النفسية.

الضغوطات النفسية تتسبب في ارتفاع هرمون الكورتيزون، وبالتالي يزداد إفراز الغدد الدهنية في الجلد فتسوء حالته، والنظرية نفسها يتراكم الدهن على بصيلات الشعر فلا تتغذى الشعرة بشكل جيد فتسقط. يحتاج الشعر لفترة نقاهة بعد الخروج من الأزمة النفسية ما بين 6-9 أشهر كي ينمو مجددًا، أمّا الخروج من الأزمة النفسية ذاتها فيعتمد على مدى عمقها، فهناك أزمات نفسية لا تحتاج وقتًا للخروج منها، وأخرى تحتاج شهورًا، ولكن لا شيء يستمر طوال العمر إلّا إذا أراد صاحبه ذلك.

غالبًا ما تلجأ المرأة التي تعاني من أزمة نفسية -بالذات الأزمات العاطفية - إلى التغيير من مظهرها، كقص الشعر وكأنها تجدد ذاتها رغبة منها في المضي قدمًا في هذه الحياة والتخلص من كل ما يذكرها بالمرأة التي كانت عليها بالأمس، وإن كان شعرها،الذي هو تاجها و رمز أنوثتها، وأجد أن هناك تشابها كبيرًا بين ما يحدث فسيولوجيًّا وهو تساقط الشعر دون تدخل منّا عند الأزمات النفسية نتيجة زيادة معدل افراز هرمون الكورتيزون، وقرار الشخص نفسه التخلص من شعره دون انتظار تساقطه، لأنه قرر أن يخرج من أزمته بشكل عاجل لأنها أزمة نفسية استنفذت كل صبره. ولكن في أقوال أخرى تعتبره كتب علم النفس إيذاء للنفس

self-mutilating behaviour بالذات إذا كان قص الشعر بشكل هستيري وغير منظم، وعادة يقوم به الشخص وهو في حالة نفسية سيئة نتيجة صدمة لم يتوقعها، وبدلًا من أن يعاقب من آذاه، يؤذي نفسه وينتقم منها!.

وما بين التغيير والأزمة النفسية علاقة كبيرة، فهناك من يتغير ليتعافى وهناك من يتغير لينتقم من ذاته السابقة وينسلخ منها، وفي كلا الحالتين يبقى الشعر هو العنصر الأكثر تأثرًا بالحالة النفسية، وعليه أن يدفع الثمن لأنه الأعمق شعورًا والأكثر حضورًا، فأول علامات الفزع والحب والبرد هو وقوف الشعر، فأي إحساس أعمق. ولكن يتوجب علينا أحيانًا تغيير المرآة بدلًا من تغيير أنفسنا في لحظة مجنونة.