توقع كثير من الناخبين أن منح الثقة لمرشح مستقل سيكون حلا مثاليا للخروج من الحالة المتردية التي وصلت إليها العملية السياسية بالعراق، بعد أن تصدت كثير من الجهات الحزبية لإدارة الدولة.

لقد غاب عن أذهان البعض الفهم الكافي للتعاطي مع المشكلة، يضاف إليه التأثر بدعايات خادعة، تؤكد أن تصدي المستقلين هو بداية الحلول، ومفتاح لتفكيك الأزمات التي يعانيها البلد.. ناهيك عن الشعور بلزوم الثأر من الطبقة المتصدية، وضرورة معاقبتها بعدم التصويت لها، بعد أن لعبت الشائعات دورا مؤثرا في تعاطي الناخبين مع الكتل المتصدرة للمشهد.

إن وصف الواقع بما هو، كما سبق، لا يعني إلقاء اللوم على المصوتين من جهة. كما أنه ليس بالضرورة تبرئة للنخبة المتصدية مما يطالها من تهم، والتي أكد الواقع ثبوت بعضها، من جهة أخرى، بقدر ما هو قراءة في المشهد السياسي التي أفرزته انتخابات 10/10/202، التي يتحمل الناخب العراقي بخياراته الخاطئة خلالها مسؤولية الانسداد الذي وصل إليه البلد. إن فهم الناخب طبيعة النظام السياسي الذي تدار به الدولة، والذي يعتبر شكل الحكم فيه من أهم مخرجات العملية الانتخابية، يعتبر من أهم العوامل الضرورية لإرساء قواعد الحكم الرشيد بعيدا عن الحالة العاطفية التي تتحكم بها الانفعالات الناتجة عن أسباب عدة، أهمها التقصير في تهيئة مسببات العيش الكريم للطبقة المسحوقة، التي تشكل نسبة كبيرة من أبناء الشعب.

عليه يمكن القول إن المرشح المستقل، ومن يدفع باتجاه منحه الثقة، قد نجحا في تغيير بوصلة العملية السياسية وعرقلة مسارها، وربما رافقهما الشعور بنشوة النصر لبضعة أيام، تمتد من يوم الانتخابات إلى عشية إعلان الكتل الكبيرة دخولها معترك التحالفات، ليجد النائب المستقل نفسه في وضع لا يحسد عليه بين مثالية الشعارات التي أطلقها في حملته الانتخابية، ونوعية الخطاب الذي تبناه، لكسب ود الجماهير من جهة، وبين واقع برلماني يعتمد لغة الأرقام في تمرير أي صفقة، ومعياره الأغلبية في اتخاذ أي قرار من جهة أخرى.

حينها سيكون أمام خيارين، أحدهما أنه سيسعى للدخول في تحالف قوي يضمن له تقاسم المنفعة، وإن كان بعيدا عن دائرة الضوء، والآخر يتمثل في مراقبة المشهد حال لازمته حالة الزهد بالمناصب، وبالتالي سيرتدي الثوب نفسه الذي عاب على من سبقوه ارتداءه، لتبقى شعاراته السابقة معلقة على أعمدة الكهرباء، وتزين جدران المباني وصفحات التواصل الاجتماعي.

الكلام هنا مع الناخب الذي أجهد نفسه في الترويج لـ«وهم» المرشح المستقل، وبالغ في إبراز مثالب الطبقة المتصدية، بغض النظر عن واقية الادعاء من عدمه: هل بانت معالم الحياة السعيدة التي كنا نمني أنفسنا العيش فيها حال وصول مرشحك «المستقل» لقبة البرلمان؟ هل ستتابع من يمثلك، وتراقب أداءه، وتعتمد منهجية صادقة في معرفة القوانين التي ستشرع لخدمتك؟ هل ستختلق الأعذار بأن التحالف مع تلك الجهة هو لمصلحة البلد، ولخدمة مواطنيه؟.

بعد هذا يحق لنا أن نقول لجمهور المستقل، بعد أن بانت النوايا، وكشف المستور: كيف كان مذاق الطعم الذي ابتلعتموه؟ والخدعة هل أنطلت عليكم؟.

القضية ليست شماتة أو تشفيا، بل هي حسرة وألم على سنوات ستضيع في انتظار أن نحسن خيارتنا في محاولات قادمة، لتصحيح المسار.