تزايد في الآونة الأخيرة الاهتمام بمصطلح الحوكمة في كيانات ومنظمات القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، وكانت هذه الطفرة نتيجة لاستمرار وتيرة التحديث الشامل للقطاع غير الربحي في المملكة، وتمت هذه الخطوة من خلال العمل الدؤوب المتطلع لمأسسة الجمعيات والمؤسسات الأهلية عن طريق سن اللوائح والأنظمة التشريعية الضامنة لتحقيق المستهدفات وفق الضوابط والأطر المرسومة، وكان من أبرز ثمار هذه السياسة الموافقة الكريمة بمرسوم ملكي على نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية العام 2015 م.

ليطل علينا العام 2016 والذي شهد انطلاق رؤية المملكة الطموحة 2030 ذات الآفاق التنموية في مختلف المجالات، ولما يمثله القطاع غير الربحي من أهمية بالغة على مستوى خارطة التنمية الوطنية ناله نصيب وافر من المبادرات النوعية الساعية لتعظيم الأثر المجتمعي مع التركيز على زيادة الكفاءة والفاعلية؛ لتنطلق مبادرة (مكين) لحوكمة القطاع غير الربحي العام 2017، ولتأخذ على عاتقها مسؤولية توفير الأنظمة والأطر والآليات التي تضبط العلاقة بين أصحاب العلاقة في الجمعيات الأهلية من أجل اتخاذ قرارات تشاركية تخدم المصالح العليا للكيانات والأفراد وفق مبادئ الحوكمة الرشيدة (العدالة، المسؤولية، الشفافية والمساءلة)؛ لتسير هذه الجهود بالتوازي مع تطوير البناء المؤسسي للكيانات وتأهيل المورد البشري ، والتشجيع على استقطاب مختلف الكفاءات الإدارية والفنية للمساهمة في تنمية القطاع.

ليبرز لنا السؤال التالي : هل لتطبيق الحوكمة أثر ملموس في تحقيق مبدأ العدالة في بيئة المنظمات غير الربحية؟؛ ليأتي الجواب على محورين:

المحور الأول: تأثير داخلي، يمتد تأثيره ليشمل المتطوعين والعاملين بالمنظمة، بدءا من أعضاء الجمعية العمومية ومجلس الإدارة، مرورا بالإدارة التنفيذية والموظفين، وليس انتهاء بالمتطوعين، فعلى سبيل المثال يتم تشكيل مجالس الإدارة في الجمعيات الأهلية عن طريق الانتخاب من قبل الجمعية العمومية، وبحضور ممثل من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يشارك في اللجة الخاصة بعملية الانتخاب، وفرز الأصوات للتأكد من سير العملية وفق النظام الأساسي، تحقيقا لمبدأ العدالة.

وللسبب ذاته يتم إعداد واعتماد اللوائح الداخلية، والتي تعتبر وثيقة موحدة تبين تفاصيل الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأنشطة الروتينية داخل المؤسسة، وتشتمل على قواعد ومعاير واضحة للاسترشاد والتوجيه في تنفيذ المهام، وخطط العمل، كما هو الحال مثلا في لائحة العقوبات والجزاءات، حيث يتم محاسبة الجميع وفق اللائحة، ولا يترك المجال للحكم بناء على الأهواء الشخصية، تحقيقا لمبدأ العدالة، وتعد هذه اللوائح الدليل النهائي للفرق العاملة، وتخضع للتحسين والتطوير من وقت لآخر حسب الاحتياج، ووفق الآلية المنصوص عليها نظاما، وسياسة تضارب المصالح الهادفة لمنع الانتفاع الشخصي على حساب المنظمة، سواء كان المنتفع عضو جمعية عمومية أو مجلس إدارة أو موظفا من الصفقات والتعاقدات مع الجهات الخارجية؛ وذلك لتحقيق تكافؤ الفرص للجهات، وضمان حصول المنظمة على العرض الأفضل.

المحور الثاني: تأثير خارجي يمس المستفيدين بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، ويمكن إجماله في أن تطبيق آليات الحوكمة يضمن الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة والتأكيد على وصول الخدمات لمستحقيها على الوجه الأمثل، ويتيح معيار الشفافية والإفصاح للمجتمع الإطلاع على آلية تسير الأعمال في المنظمة ما يمكن من المساءلة في حال التقصير، ويعزز ثقة المجتمع في منظمات القطاع غير الربحي.

ختاما.. إن التطبيق السليم لمبادئ الحوكمة يخلق مناخا مناسبا، ويهئ الفرص نحو تطبيق مبدأ المساواة، مما يزيد الشعور بالعدل والإنصاف، وفي إطار عمل المنظمات غير الربحية المعتمد على المنح والجهد البشري التطوعي، فإن ذلك له بالغ الأثر في تحقيق التنمية الشاملة.