إن قضية الهوية قضية محورية، حيث لا يمكن لأمة أن تحيا دون هوية، فهي كالبصمة التي تميزها عن غيرها، تتحدد بقيم دينها وعاداتها ولغتها وتراثها الحضاري، فالهوية العربية الإسلامية هي السمات والخصائص التي يتمسك بها المجتمع الإسلامي، وتميزه عن غيره من المجتمعات، وهي مصدر عزته وكرامته.

وأشار القرآن الكريم إلى تلك الهوية في مواضع متعددة، إذ يقول تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً} (البقرة: 208). ويشهد العالم الإسلامي اليوم تحديات كبيرة، يحاول فيها الغرب إخراج الأمة العربية والإسلامية من هويتها الدينية، وخصائصها الاجتماعية والثقافية، وإشعارها بالعجز وتمزيق وحدتها، وليست لهم وسيلة في تحقيق ذلك إلا بالتربية والنظم التعليمية.

ليس هذا فقط، بل أثرت العولمة، بشكل خاص، في الشخصية العربية والإسلامية، وهددت هويتها، ويبدو ذلك جليا في محاولة إذابة المقومات الإسلامية، وتشتيت شمل المسلمين، وهدم القيم، وسيادة الثقافة الغربية، ومحاولة تغيير مفهوم الولاء للأمة والوطن، و«إحلال مفاهيم جديدة من نوع القرية العالمية، والاعتماد المتبادل، والشرق أوسطية، والقول بأننا لسنا عربا أو مسلمين، بل نحن شرق أوسطيون».

لذلك، تعد العولمة أحد أساليب إسقاط الهوية الإسلامية، مما يؤكد بشكل قاطع أن المسلمين اليوم بحاجة إلى صياغة نظرية تربوية إسلامية، وتطبيقها بشكل فعال، لمواجهة هذه التحديات، والحفاظ على الهوية، وتحريرها من التبعية، لأن الافتقار إلى الهوية يؤدي إلى الافتقار إلى الذات، والشعور بالنقص والهزيمة وانعدام الأمن، ودمار المجتمع. والنظرية التربوية الإسلامية هي انعكاس للإسلام، وتطبيقه على أرض الواقع، وتتميز بنظرتها المتكاملة للكون والإنسان والحياة بشكل شمولي، وارتباطها بالتربية الأخلاقية والعقلية والعملية والاعتقادية، بهدف بناء إنسان صالح ومجتمع خير. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن النظريات التربوية الغربية ليست إلا نظريات قاصرة وضعيفة، وأحادية الاتجاه. وعلى الرغم من تكامل النظرية التربوية الإسلامية، فقد أوحى الغربيون لأبناء المسلمين أن تأخر الشعوب الإسلامية يرجع إلى الأنظمة التربوية، ومناهجها الخاضعة للسلطات الدينية والتقاليد البالية، وعندما تم استعمار معظم البلاد الإسلامية حاولوا جعل التربية علمانية، وغيروا المناهج، وجعلوا من أهم سماتها: توجيه الجهود التربوية إلى الثقافات الغربية، ومحاولة إزالة الثقة بالنفس، وإبعاد التربية الأخلاقية، وإشعار الشعوب الإسلامية بالعجز.

ومن زاوية أخرى، فإن التقدم والتطور وفق النظرة الغربية يهدف للقضاء على العقيدة والانحلال الأخلاقي، والتقليد الأعمى للغرب باسم «الحرية»، بينما يقول تعالى: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (الحديد: 16)، ويقول «ابن تيمية»: «ولا يكونوا مثلهم» نهي مطلق عن مشابهتهم.

واستخدم المستشرقون ودعاة التجديد في ذلك طرقا متعددة مثل: نشر الأفلام، وترويج المسكرات والبرامج التليفزيونية الهابطة، وإنشاء المدارس والجامعات، وأسسوا مدارس تتبنى الفكر التغريبي، بهدف طمس الهوية الإسلامية.

ويُرى أنه ليس من المقبول أن تحكم النظريات الغربية ممارساتنا التربوية، وأن نخضع العملية التربوية لأطرها التصورية، لأن منبعها الفلسفة الغربية.

لذلك، اتفق رجال الـتـربـيـة على أنه لا بد للمعلم من فلسـفـة في الحياة، تمكنه من القيام بمهمته التربوية على الوجه الأمثل. كما أنه لا بد للتربية من فلسفة تنبعث من عقيدة المجتمع، وتراثه، وقيمه العليا، فلسفة تنعكس في أهداف العملية التربوية، وفي مناهجها وأساليبهـا، ومختلف طرائقها ومعاييرها، وفي كل أمـورها. وعلى الرغم من ذلك، فإن المتتبع أمور الـتـربـيـة المعاصـرة يجد أنهـا قد أصبحت لا دينية، وأن معلمي الـيـوم لا يملكون فلسفة تربوية واضحة، فـدارت العملية التعليمية في دوامة من الفكر المادي، الذي أفقدها أسمى غاياتها. وفي السياق نفسه، تأثرت النظرية التربوية الإسلامية المعاصرة بالعولمة والتبعية الفكرية، وسيطرة الفكر التربوي الغربي، ثم انتقل هذا الأثر إلى أهداف التعليم والمناهج التعليمية، وانقسمت إلى علوم حديثة وعلوم دينية، مع الاهتمام بالتخصصات العملية أو العلمية، وإهمال التخصصات الإنسانية، واستمرار اختصار تراث السلف، وأن التقدم العلمي هو المقياس لتقدم الأمم، وعدم الاهتمام بالقيم، والانبهار بالتكنولوجيا، وجعلها الهدف الرئيس في الممارسات التربوية، مما أدى ذلك كله إلى ضعف الاعتزاز بالهوية الإسلامية.

إن تطبيق النظرية التربوية بفاعلية يحول الأفكار إلى واقع، والنظرية التربوية الإسلامية تستطيع مواجهة التحديات، ويتضح ذلك في محاولات الباحثين ورجال العلم تأصيل وتوجيه العلوم الغربية ونظرياتها ومفاهيمها وفق المنظور الإسلامي، للتحرر من التبعية، وللمحافظة على التراث الإسلامي، وعلى طابع الأمة الإسلامية، وفي المقابل جاءت «رؤية 2030» لدعم النظرية التربوية الإسلامية بمحاورها الثلاثة: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، التي تتسق في سبيل تحقيق أهداف الوطن، وتركيزها على الاعتزاز بالهوية الدينية. وبناء على ما سبق، فإن الحاجة إلى نظرية تربوية إسلامية ملحة، ولذلك يجب توظيف النظرية التربوية الإسلامية وصياغتها وفق فكرنا وتراثنا العربي والإسلامي، وأن يتم التعمق في مناهج التربية الإسلامية، والتربية الإبداعية، مع الاستفادة من التقدم العلمي، وتوجيهه وفقًا لتعاليم الدين الإسلامي ومبادئه، بالإضافة إلى الاهتمام بالتاريخ الإسلامي ورجاله، وإقامة مجتمع على أساس الإيمان وعبادة الله، والتركيز على تقديم مفاهيم تربوية أصيلة، تلبي حاجات الحاضر وترسم المستقبل، علاوة على الاهتمام بالتربية الأخلاقية والقيم، لصيانة هوية الأمة الإسلامية، والمحافظة عليها أمام التحديات المعاصرة.