لقد تطوّر التسويق بتطوّر البشرية، وانتقل من مراحل وأنماط وأوجه عبر الزمن، فكان في قديم الزمان محصوراً في تاجرٍ يمدح بضاعته، أو مفوّه يسوّق لقبيلته وشجاعتها عبر قرض الشعر.

والتاريخ مليء بالنماذج والقصص والحكايات، التي سجّلت كيف استخدم البشر دوماً التسويق لتحقيق مصالح فردية أو جماعية، ولكن التسويق في عصرنا الحديث، قد أخذ أبعاداً سلك متّبعوها دروباً مختلفة لمواجهة مخاطر المنافسة الشديدة، في عصر ما بعد الثورة الصناعية، ومن بعدها الثورة التكنولوجية. والناظر إلى التسويق في عصر ما قبل الرقمنة، سيحصل على صورة تقليدية عايشها المخضرمون الذين عاشوا فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث الشاب أو الفتاة يطرق كلاهما أبواب المنازل، من الولايات المتحدة غرباً إلى إندونيسيا واليابان شرقاً، لبيع منتجات الشركات والتسويق لها وجهاً لوجه.

ثم تطوّر التسويق في الحقبة ذاتها، ليشهد نماذج أكثر احترافاً عبر انتشار المعارض التجارية، بشكلٍ أكبر مما مضى، وتلا ذلك شيوع نمط عقد المؤتمرات الصحفية، لإطلاق منتج جديد أو خدمة مميزة، فبات ثمة تداخل واضح بين عمل العلاقات العامة وعمل التسويق، حتى بات الكثيرون غير قادرين على التمييز بينهما.

وبلوغاً لعام 2022، نتساءل هل أصبحنا متخمون بنماذج التسويق، حتى أن كل ما شهده التسويق من حداثة وتطور، على امتداد العقدين الماضيين، قد انتهى ليعيد التسويق من جديد إلى المربع التقليدي، لتصبح إنتاجاته فاقدة للإبداع، بعد أن استنفد المختصون جميع الأفكار الممكنة، لجعله وسيلة ناجحة لجذب الجماهير؟

لكل مهنة خطرها الأكبر الذي تخشاه، والتسويق في 2022، يكاد يستغيث غرقاً في أعماق محيط راكد لا حياة فيه، فهل وصل الأمر بالمسوقين إلى حد الوقوع في أزمة أفكار؟ الحقيقة أن هذا هو واقع التسويق اليوم، فتقريباً يمكن القول بأن كل ما نراه إما أنه مكرر أو أنه شبه مكرر، فمن المسؤول؟ .

مما لا شك فيه أن المسؤول عن أزمة التسويق الحالية، هو التخمة التكنولوجية التي تسببت بانحسار الخيال الإبداعي، لدى العاملين في هذا القطاع الحيوي والهام لكل اقتصاد، لربما على كل من يعتبر التسويق مهنته التي يعشقها، أن ينقطع إلى الطبيعة، أو أن يركن إلى شيء من الهدوء بعيداً عن ضوضاء التكنولوجيا اليومية، لعله يعيد ترتيب خلايا الإبداع لديه، فدماغ المسوّق الناجح لا تقدر بثمن في عالم الأعمال.

تتعاظم أهمية التسويق من قرنٍ لآخر، ومن عقدٍ لآخر، ومن حقبةٍ لأخرى، ولا يمكن تصور عالم الأعمال من دون تسويق ناجح، وأزمة الأفكار الحالية في عالم التسويق، ستتيح الفرص لمبدعين جدد ليكونوا جزءاً من المنظومة الإبداعية.

وبالتأكيد هناك من سيخرجون من اللعبة، لذا فليبحث كل مسوق يعيش هذه الأزمة في رهاناته، لعل أحدها أو كلها غير صائبة.