يبدو أن وتيرة التنبؤات والتوقعات والقراءات الاستشرافية التي صاحبت القمة التشاورية الخليجية التي عقدت في الرياض الأسبوع الماضي كانت أسرع مما يجب.

لقد تواصلت التوقعات والتنبؤات وذهبت إلى المدى الأبعد، إلى درجة توقعها أن تتضمن القمة إعلان اتحاد بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، لكن الواقع يشير إلى أنها كانت مجرد قمة تشاورية. والقمم التشاورية ـ في العادة ـ لا تخرج بقرارات، وإنما بتوصيات ومحاور عمل وبحث أفكار ورؤى جديدة، وهو بالفعل ما خرج به ذلك اللقاء.

إنما يجب أولا على مجلس التعاون الخليجي أن يدرك أن حالة التطلع الشعبية إلى مسيرة العمل باتجاه الاتحاد عالية جدا، مما يلزم المجلس بمزيد من الإفصاح والشفافية عن سير العمل في هذا المشروع الجبار والمنتظر.

يمكن القول وبلا مبالغة إن حالة تشبه الإجماع الشعبي لدى شعوب دول مجلس التعاون الخليجي هي الموقف الفعلي الآن من قضية الاتحاد، مما يستلزم إشراكا للشارع الخليجي على مستوى المعلومة أولا، وهو الجانب الذي يمثل مسؤولية مهمة للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

أيضا، بإمكان المجلس أن يسهم وبشكل مؤثر في ترويج وتسويق مشروع الاتحاد من خلال بث كل النتائج الإيجابية التي ستنتج عن هذا المشروع ومن خلال الإجابة غير المباشرة على كل الأسئلة التي تدور في أذهان الشارع الخليجي، وطمأنة كل التكتلات السياسية والحزبية داخل المجلس بشأن ما يثار من مخاوف حول السيادة والمكتسبات التي تتفاوت على أكثر من صعيد بين دول المجلس.

لم تطرح أمانة المجلس مثلا على الشارع الخليجي أن الاتحاد يعني وجود كيان يرفع الناتج المحلي إلى مستويات متقدمة للغاية، وأن وجود الاتحاد أيضا يعني أن لدينا كيانا يضم خمسة وثلاثين بالمئة من احتياطي النفط العالمي، وأن قوة سياسية ودفاعية عظمى سوف يمثلها المجلس ستعد ضمانة لاستقراره وازدهاره، إضافة إلى ما يعنيه ذلك من اتساع في فرص العمل ومجالات الاستثمار والإيجابيات التي ستنعكس واقعا على حياة هذا الاتحاد.

ربما أن قلة فقط من أبناء الخليج يعلمون أن الاتجاه نحو الاتحاد هو جزء مما نص عليه ميثاق المجلس حين تم إنشاؤه أصلا، بمعنى أنها دعوة تستند إلى أصل في تنظيم قيام المجلس منذ نشأته، كما جاء في الفقرة الأولى من المادة الرابعة التي تنص على "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها".

على المستوى السياسي تتشكل الآن قوتان في المنطقة يطغى عليهما التشتت والقلق والارتباك، حيث تعيش قوى الإخوان المسلمين نفوذا غير مسبوق، وفي صورة ما زال يتغشاها الكثير من الضبابية وعدم الوضوح وأخطاء الطارئين على العمل السياسي العلني والمنظم، أو تلك المحاولات الإيرانية لبسط النفوذ والسيطرة عن طريق التدخل في دول الجوار، مما يعني أهمية تشكيل سياسي قوي. وليس أقدر على صناعة هذا الكيان من دول مجلس التعاون، والذي بإمكانه أن يتسع بعد ذلك ليسمح بدخول دول مثل اليمن الذي يسير الآن نحو انهيار لا يمكن تداركه فعلا إلا من خلال جار قوي وموحد. وهو الذي سيقطع الطريق على المحاولات الإيرانية المستمرة لإيجاد مركز آخر لافتعال الأزمات وإشعال النزاعات في اليمن. إنما ورغم أهمية الاتحاد في تقليص وإفشال التدخلات الإيرانية في المنطقة إلا أنه لا يجب إبرازه على أنه العامل المحفز الأهم للاتجاه نحو الوحدة، بقدر ما هو نتيجة من نتائجها.

الأمانة العامة لدول المجلس إذن مطالبة الآن بما يشبه حملة العلاقات العامة لإشراك الشارع الخليجي وتحويله من مجرد مستقبل إلى قوة داعمة للاتحاد، انطلاقا من إيمانها بما يمثله من جدوى وضرورة، خاصة إذا أدركوا أنه لن يزيدهم إلا قوة. وهو ما يحتاج أيضا إلى إبراز فكرة أن الشكل الكونفيدرالي هو الأنسب لهذا المشروع.

إن الاتحاد الخليجي ليس ردة فعل، بل هو استحقاق حان أوانه، خاصة بين دول تتفوق فيها العوامل المشتركة على غيرها، ويجمعها مستقبل واحد وطموح واحد كذلك.