الإنجاز من أجمل المشاعر التي تمر على الإنسان، يملؤك ذلك الشعور بالسعادة والفخر، فكثير من الذين يشعرون بالفراغ والملل يعانونه بسبب قلة الإنجاز أو عدم الوعي بالإنجازات الشخصية، فالإنجاز ليس له قانون محدد أو شكل معين واحد، بل تختلف الشخصيات وتعريفها له، لبعض الأشخاص المحافظة على حياة صحية وأكل صحي، إنجاز مهم وكبير يشعرهم بالسعادة، للبعض الآخر قراءة عدة كتب مختلفة تشعرهم بالفخر والرضا، ومنهم من ذهابه إلى عمله كل يوم هو أهم ما يعتز به، ومنهم من يعد رسم لوحة فنية أو كتابة شعر نثري من أجمل أعماله.

الإنجاز لا يجب أن يكون ضخما، ولا يجب أن يكون متعبا، ولا يجب أن يراه جميع الناس أو يوافقوا عليه، الإنجاز يجب أن يرضيك أنت فقط، وأن يعود عليك أنت بعوائد جميلة أيا كانت من المشاعر أو الأرباح أو التحسن في أي ناحية من نواحي الحياة التي تطمح إليها، وكل خطوة تخطوها لتحقيق أي هدف من أهدافك (التي تختارها أنت) هي إنجاز.

يجب أن نترك إصدار الأحكام على أنفسنا وعلى الآخرين ونبدأ التناغم مع طبيعة تفاصيلنا، فقصتنا مختلفة، يجب أن ندرك أن قوانيننا لا تنطبق على الجميع، شخصياتنا لا تشبه الجميع، طريقة تفكيرنا لا تمثل الجميع، وأيضا رغباتنا لا توازي رغبات الجميع، نحن مختلفون، بعضنا عملي يحب الدراسة والتدريس، بعضنا فنان يحب المجالات التي يصلح بها الإبداع، بعضنا يفضل أن يجد نفسه في جدول محدد يعمل في نطاقه، الآخر يفضل جدولا مختلفا كل يوم، بعضنا يفضل أن يمتلك ويدير مشروعه الخاص، الآخر يفضل أن يعمل في مشروع جاهز دون الحاجة لإدارته، بعضنا مدونون وعملهم هو السفر وصنع المحتوى، والآخرون إداريون وعملهم يقتضي قضاء وقت كبير في المكتب، وتختلف طرق السعي والإنجاز واحد، وكل شخص يحدد طريقة سعيه وإنجازاته، وهو من يحدد مدى فخره من نفسه، فلا أحد يدرك صعوبات حياتنا ومطباتها إلا نحن.

ارتبط الرزق بالسعي وذلك صحيح، ولكن يجب أن نعي أن طرق السعي مختلفة، أجد البعض ينتقد رزق الآخر بقوله إنه لم يتعب للحصول على رزقه، ومن ربط التعب بالرزق؟، السعي لا يعني التعب، بل يمكن أن تسعى بطريقة يسيرة وتحقق مناك بأسرع ممن يكد ليلا ونهارا دون متعة، بل هناك طريقة يستخدمها البعض في السعي يسمى (سعي المتعة)، والتي تنص على أن تنجز بعض أعمالك وأنت في نزهة أو في مكان جميل أو بطريقة مسلية، والأهم من ذلك، وإن كتب الله لفلان الرزق دون أن نراه يتعب، من نحن لنعترض على رزق الله؟ ومن ومن نحن لنبغض؟ ومن نحن لنحكم؟.

يجب ألا نطيل النظر في نعم الغير لأننا لا ندري ما هي المعارك التي يواجهونها في الغيب، وربما تخطيهم تلك المعارك هو أعظم إنجازاتهم التي يفتخرون بها، ولا يوجد إنسان يملك كل شيء، كل شخص يريد شيئا، من عنده المال يريد التقدير، ومن عنده التقدير يريد المال، ومن عنده المال والتقدير يريد الذرية الصالحة، وكثير ممن نعتقد أنهم يملكون كل شيء يعانون من الاكتئاب وعدم السعادة، وهكذا الحياة، فلنجعل نظرتنا أكبر وأوسع، ولنحب للناس ما نحب لأنفسنا حتى نؤمن فعلا.

الإنجاز جميل، ويحب ألا تخلو حياة أي إنسان منه، فالوجود دون هدف مميت، ولا يوجد مقاس أو شكل معين للإنجازات، بل كلها مهم، صغيرها وكبيرها، ومن الضروري جدا أن نلتفت إليها وندركها جميعها حتى تفيدنا، فالبعض لا يراها أو كأنها مخفية، فلا تعود عليه بعائد معنوي أبدا.

من الضروري أن نلاحظ إنجازاتنا وندونها إن لزم الأمر كي تجلب لنا التوازن والمشاعر الإيجابية، كقراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار، ومساعدة الأهل، والعناية بأطفالنا وتربيتهم، وتقديم يد العون لصديق، وترتيب نظام غذائنا، والقيام بمشاوير البيت، ووضع خطة رياضية والالتزام بها، والمحافظة على سعادتنا وفعل ما ينميها، وأشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى، كلها إنجازات مهمة وأهداف مفيدة يجب أن نعطيها قدرها وألا نتغاضى عنها.

لا يوجد شكل أو مقاس محدد للإنجاز ولا يوجد جدول معين له، فلا تتوتر وتحاول أن تتشبه بالآخرين أو تنتظر التقدير من الناس، قدر نفسك أنت، قدر حلمك وشغفك أنت.. وقدر اختلافك أنت، وصفق أنت لإنجازاتك، فأجمل الإنجازات هي التي تكون بيننا وبين أنفسنا لترضينا نحن.

امض في حياتك أنت، فاعلا ما يناسب شخصيتك وشغفك، مستثمرا في نفسك وفي صحتك، واعيا لإنجازاتك اليومية الصغيرة قبل الكبيرة، واسع بطريقتك موقنا أن الرزق وفير والخير كثير والقادم دائما أجمل.

فلنتقدم بخطوة واثقة من اختلافها باطمئنان.