دعاني بعض الأصدقاء إلى مساحة أسبوعية على تويتر كانت بعنوان «جرائم العثمانيين في السعودية»، والمساحة مبادرة تثقيفية يقدمها شباب سعوديون، قارئون للتاريخ ويستضيفون فيها عددًا من المتخصصين.

وهنا سأتحدث عن أهمية هذا العمل وضرورة تطويره ليتحول من نقاش محدود إلى ثقافة راسخة وأيام وطنية وشواهد موثقة تروي تاريخ الأمة السعودية العظيمة،خاصة بعد محاولات التشويه والطمس التي مارسها العثمانيون الجدد على ثقافتنا في الأربعين سنة الماضية. فأضافوا لجرائمهم التاريخية جريمة معاصرة، لقد ثقبوا ذاكرتنا!

ومما لا شك فيه أن الأمم الناجية تحرص على ترميم ذاكرتها لتكون جزءًا لا يتجزأ من حاضرها، ولتقدم لأجيالها النموذج والتجربة والإلهام، والملاحظ أن المأساة كلما ابتعدت وتقادمت فإنها تتحول إلى ممر يتحرك من خلاله التاريخ وتصبح مرجعًا للسلوك والمواقف، ومخزونًا يغذي الأرواح بالمشاعر والإبداع.

لذلك يتذكر الأرمن الإبادة العثمانية، ويتذكر اليهود المحرقة النازية واليابانيون هيروشيما والأمريكان أحداث 11 سبتمبر، هكذا تصبح الذاكرة جزءًا من سيكولوجية الشعب وإدراكه، وشيفرة سرية تتفاهم بواسطتها الأجيال.

ونحن السعوديين، الأمة التي نجت من الفناء المرة تلو المرة على امتداد زمني يقارب الثلاثة قرون.

لقد عانى أجدادنا وكانت أيامهم حبلى بالترهيب والاضطهاد والاغتيالات والتآمر والتهجير القسري والاعتداء على الحياة والكرامة والهوية، وقدموا التضحيات وناضلوا في أحلك لحظات التاريخ وأشدها بؤسًا وعزلة.

أولئك الرجال الأحرار صنعوا معجزة حقيقية، ونحن مدينون لهم بما ننعم به من حرية وسيادة ووطن عظيم مزدهر. وأقل ما نقدمه لهم اليوم هو أن نسترجعهم من المتاحف وكتب التاريخ.

في رأيي أن هذا الملف يجب أن يكون حاضرًا إعلاميًا وثقافيًا وفنيًا. لنحكي مثلا قصة حصار الدرعية، أو تهجير أهل المدينة أو استشهاد الإمام البطل عبدالله بن سعود، أو الكثير والكثير مما لا يعرفه العالم عن قصتنا الوجودية، وربما مما لا نعرفه نحن عن أنفسنا.

ومن جهة أخرى فإن هذا الملف إن تم العمل عليه بشكل مناسب، سيكون له أثر إيجابي جدًا في القيم الفكرية المحركة للمجتمع السعودي، وسيكون داعمًا للثقافة الوطنية ومعززًا لمشاعر الفخر والثقة بالوطن ورموزه وإنسانه وقيادته.