يقع الكثير لا سيما من الغرب والأوروبيين وغيرهم، في فخ أخطاء فادحة لا تُغتفر لا في السياسة ولا الإنسانية، الأول: عزل جماعة الحوثي المارقة في اليمن عن الشكل والإطار والمنهجية الإيرانية.

والثاني: اعتبارها كيانًا سياسيًا له حق التعبير والمشاركة في السلطة، وبالتالي الإزاحة عنه صفة الأجير لدى ولاية الفقيه. ففهم الأمور ووضعها في نصابها الصحيح نصف الحل لأي مشكلة في الأرض، والأهمية يجب أن تتساوى في التعامل مع أي ضرر، وعلى هذا الأساس تستدعي النظر إلى الأخطار الإيرانية بمجملها وعدم فصلها عن بعضها البعض.

فالملف النووي الإيراني لا يقل خطورةً عن برنامجها الصاروخي، ولا الطائرات المسيرة، ولا حتى تجنيدها لكثير من العرب المرتزقة على شكل كيانات سياسية مهمتها تأدية الدور لصالح الجمهورية الإيرانية بثمنٍ بخس، كالدور الذي يقوم به من عشرات السنين القابع في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت الإرهابي حسن نصر الله، والدور المناط بقائد الحشد الشعبي في العراق، والهارب بين الجبال اليمنية وهو يدعي البطولة والإنجاز، تحقيقًا لأجندة سيده في طهران عبدالملك الحوثي.

أعود لصلب الموضوع الذي أكتب عنه هذا الأسبوع، والذي جاء في أعقاب قصف جماعة الحوثي للعاصمة الإماراتية أبو ظبي، ويجب القول في البداية إن تحويل البندقية الحوثية «الإيرانية» صوب أهداف إماراتية يعتبر من النوادر، ويعود حسب فهمي لعدة أسباب، الأول: الرغبة الحوثية في تموضع جديد للأهداف، بدلًا من الاستمرار على مرمى دائم هو المملكة العربية السعودية، الذي أعتقد أن الاستمرار عليه تفرزه التوجهات الإيرانية.

ثانيا: رغبة جماعة الحوثي في حشد أكبر قدر من الدعم والتأييد في أوساط حاضنتها الشعبية التي بدا عليها التململ من عملية «الهدف الواحد، ومهاجمته بالشكل الواحد».

والسبب الثالث: الانتقام من أبو ظبي باعتبارها الداعم الرئيس لقوات العمالقة اليمنية -حسب ما ترى الجماعة-، لا سيما وأنها -أي قوات العمالقة- لقنتهم دروسًا في محافظتي مأرب وشبوة. رابعًا: تحاول جماعة الحوثي الإرهابية توظيف خطوة القصف كرد على الكذبة التي ابتكرتها، بعد اختطاف وقرصنة سفينة روابي الإماراتية قبل أسبوعين قبالة سواحل البحر الأحمر، والتي كانت تحمل مواد إغاثية وأدوية، وعمد عناصر الحوثي على استبدال تلك المواد بأسلحة ومواد متفجرة، لتضليل الرأي العام، وخلق مبررات لممارسة البلطجة في الممرات الدولية.

فالقصف وفق الذهنية الحوثية يمنح مصداقية للرواية التي ساقتها الجماعة من أن السفينة كانت تحمل أسلحة بدلًا من أدوية ومواد إغاثية.

وفي جانبٍ غير بعيد، أتصور أنه لا يمكن فصل السعار الذي أصيبت به كل الأذرع الإيرانية في المنطقة، عن ملف المفاوضات النووية، وهذا ما يتضح من خلال مهاجمة زعيم ميليشيا حزب الله اللبناني حسن نصر الله الأسبوع المنصرم للمملكة العربية السعودية، وقصف العاصمة الإماراتية، وقبله اختطاف السفينة الإماراتية، ما يُترجم التضييق على طهران في عملية التفاوض التي تشهدها العاصمة النمساوية، فما يشعر به «القط الكبير»، يُترجمه «الجرذان» في المنطقة.

ورغم حجم الإدانات والشجب والاستنكار القادمة من بعيد، إلا أنني أرى أنها لن تؤدي أدنى دور ملموس، فهي عبارة عن تسجيل موقف لا يُقدم ولا يؤخر.

وحتى إن هددت وتوعّدت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستحاسب جماعة الحوثي كما صدر من واشنطن، إلا أن الحديث عن رفع جماعة أنصار الله الحوثية من قوائم الإرهاب ضمن القرارات الأولى التي استصدرتها الإدارة الأمريكية الحالية، هو الأجدر، وليس التهديد والوعيد الذي يمكن وضعه في سياقٍ عاطفي، وهو في الحقيقة مخادع وكاذب بكل وضوح.

ولن أخشى من القول بكل بصراحة أنني على الصعيد الشخصي سئمت الحديث عن مسؤولية المجتمع الدولي لا سيما الدول الفاعلة وذات الصوت الأعلى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في تنامي الأدوار الإرهابية الإيرانية بمنطقتنا، الذي يتم مواجهته بصمتٍ يشبه الرضى، أو بنوعٍ من لغة التعالي السياسية، التي تُجرد صاحبها من أداء الأدوار الأخلاقية والإنسانية، وهذا ما هو واقع بكل أسف.

إن التعويل على المجتمع الدولي لمواجهة الداء الإيراني عبارة عن مضيعة للجهد، ومن يعلم قد يمنح الدولة المارقة فرصة للسيطرة على عواصم عربية أخرى، كالأربع التي تتشدق حكومة طهران بوضع يدها عليها، والقصد «بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء»، ودليل أن انتظار مثل تلك المواقف مضيعة للوقت، هو رد الفعل الأمريكي، الذي يعتبر متناقضا يدعو للتهكم والاستخفاف به، استنادا على إزاحة الجماعة من قوائم الإرهاب، والتفكير بمحاسبتها!.

أعتقد أنه آن الأوان لأن تعمل الدول العربية التي يهمها استقرار هذه المنطقة، على مواجهة رأس الأفعى الإيرانية، دون انتظار مواقف دولية، من خلال الاستفادة من توظيف عمليات القصف الإرهابية التي تطال أجزاء من الأراضي السعودية، وأخيرًا طالت العاصمة الإماراتية، وهذا من باب أن تضطلع تلك الدول بدورها التاريخي وتقف موقف رجل واحد لمواجهة هذا الغول المتطرف وأذرعته ومأجوريه، لحماية مصالح الأمة، التي لا يمكن أن تتحقق دون استقرار دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

غير ذلك يعتبر صمتا محفوفا بالعار والخوف، بل يشبه الهروب من «فك الأسد.. لسُم الأفعى».