غالب ما يدور بيننا من نقاشات حول ما يجري من أفعال وأقوال، كُنا بالأمس نعتبرها من المحرمات أو المنافية للطبيعة الاجتماعية، ولا يدخل ضمن ما نمارسه بشكل دائم، بل إن حياتنا اليومية لا يمثل منها إلا جزءا قد يحدث بغرابة، ويقع أصحابها تحت طائل النقد الجارح، والذي يصل حد التشويه والتعميم على كل ما يملكه من إيجابيات، وهو لا يذكر عددا كظاهرة في محيطنا الاجتماعي أو الفردي..

ونقدم النقد السلبي أثناء سردنا للموضوع، ثم نفتح مجالا لمن يستمع لنا بأن يعطينا رأيه بكل أريحية لعل يخيّب توقعنا ويريح أنفسنا من تأنيب الضمير.. تأنيب ضمير حب الشيء وليس حرمته، ليطول النقاش إلى مستويات ندخل معها في سجال حاد، وقد نصل في بعض الأحيان إلى القطيعة بسبب موضوع لا يحتمل أكثر من نقاش يدور بين اثنين.

على رسلك.. إنها فكرة ليس إلا، وهذا مثال صغير حتى لا تتسع دائرة الأمثلة، وإنما مدخل للقول، نحن نتكلم عن أنفسنا في موضوعات نريد ممارستها أو تجربتها، لكننا نحتاج رأي الآخرين، مع أننا جميعا متفقون، إن كانت سلبية أو إيجابية، ومتعارف عليها آنفا، وهي غير قابلة للخوض فيها، لأنها مسؤولية كل فرد، وما يمنعه من ذلك إلا قناعاته الشخصية، ذلك من وجه التخفيف وليس إعادة قضايا للتدوير من جديد، وهي محل خلاف أو إثبات.

وانتشارها بين المجالس وفي مختلف وسائل الإعلام والخوض فيها يعيدنا من جديد لمسائل قديمة وحديثة نفسها، وإنما بتبرير آخر يراعي فيه متغيرات العصر وتطلعات المجتمع للتخفيف من حدة التحريم أو الرفض، دون أيما دليل.

ومن يتابع المشهد العام في التحول الاجتماعي نحو فكرة تطوير الترفيه وما يصاحبه من تجاوزات قليلة جداً، نزولا إلى قيادة السيارة وكشف الوجه والاختلاط وسماع الأغاني وشراب المسكر، ثم الخوض في تصنيفات المجتمع من حيث الجذور.. إلخ، هذه المواضيع جميعها متأصلة في التاريخ الإنساني وليست حديثة عهد.

لكن الذي جعل الجميع يتحدّث عنها هو التخفف من وطأة النقد، لتصبح عادية لا تخرج عن حرية شخصية.

ومن هُنا يبدأ الذي كُنا بالأمس نمقته وننقده بأسلوب حاد، اليوم عاد من جديد للنقاش، وهو محل قبول ورفض أو مجرد اختلاف، ثم طلب رأي الآخرين، وما هو إلا معرفة رأي ماذا تقول عني لو فعلت؟.