على الرغم من وجود حدود سياسية، تفصل دول الخليج عن بعضها، الا أن هناك جذورا وتاريخا وثقافة مجتمعية، وعادات ونسبا يذيب هذه الحدود، ويجمع بينها باهتمامات وأهداف مشتركة، فخليجنا واحد مع احترام استقلالية دوله.

هذا التمازج والارتباط القوي جدا، كان واضحا بشكل عميق في العقود الماضية، حيث كان انفتاح المجتمع الخليجي على المجتمع العالمي الأكبر محدودا نوعا ما، ولكن.. ومع العولمة التي نهضت بها الثورة الرقمية، ذابت المسافات الثقافية بين المجتمعات ككل، وأصبح التأثر والتأثير الفكري والثقافي والمجتمعي، سمة من سمات المجتمعات العالمية، وإن اختلفت قوة تأثير كل ثقافة في غيرها من الثقافات لعوامل كثيرة.

وحيث إن مجتمعنا الخليجي أحد مكونات المجتمعات على كوكب الأرض، فقد أصاب أجياله الحالية ما أصاب العالم، من تأثر بالثقافات الأخرى.. وهذا التأثير يجب ألا نخاف منه، فهو إيجابي ما لم يطغ على الهوية الأصلية، ويمسح ملامح القيم الخليجية، فلولا التأثر والتأثير ما كان هناك حضارة ولا تطور ولا نمو للمجتمعات، ولما كان هناك فضول تفكير يوسع مدارك العقول، لتبني وتطور وتخترع وتعمر هذه الأرض.

وحيث إن فئة الأطفال والشباب يشكلون النسبة الأكبر، في التركيبة السكانية لدول المنطقة، وعليهم - بعد الله- تعقد الآمال، للمحافظة على التنمية المستدامة لجميع جوانب القوة، التي حبا الله بها خليجنا، أصبح الطفل الخليجي أحد أهم اهتمامات دول الخليج العربي، ومن أجل ذلك تحتفل دول مجلس التعاون في الخامس عشر من يناير من كل عام، بمناسبة يوم الطفل الخليجي، وهي مناسبة خليجية تسلط الضوء على احتياجات أطفال المنطقة، وما يلزمهم من رعاية واهتمام من أجل تحقيق مواطنة صالحة، بكل دولة من دول الخليج، تصب في مصلحة المواطنة الخليجية العامة.

وبهذه المناسبة كان لشرطة منطقة الرياض، من خلال إدارة الإعلام والاتصال المؤسسي «شعبة التوعية الأمنية» مشاركة فعالة، من خلال ملتقى نحو طفولة آمنة.. حيث ركز على أساليب تأصيل وتعزيز قيم المواطنة الصالحة للطفل.

لاشك أن مسؤولية تعزيز قيم المواطنة الصالحة، تقع على عاتق كل من الأسرة والمؤسسات التعليمية، والإعلام والترفيه والرياضة.. وكذلك من خلال تعزيز قدسية أمن الأوطان، فدور الأسرة يتمثل في عمق وعيها بأهمية تربية الطفل، على حب الوطن بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، ومن هذا الحب تتأصل في تركيبته النفسية والاجتماعية والشخصية، التمسك بهويته والمحافظة عليها، وعلى القيم والسمة المجتمعية، والاعتزاز بها مع المرونة التي تجعله يتأثر إيجابيا بالثقافات المختلفة، من غير رواسب انقياد سلبي لها، وهذا بالطبع يأتي من ضرورة عدم مقاومة التأثر الذي أصبح واقعا في حياة الأجيال الجديدة، بسبب لغة عصرهم الرقمية، ولكن حبذا لو كانت هناك مراقبة غير مباشرة، مع تدخل مرن سلس جاذب غير منفر، عند الشعور بخطر الغزو الفكري، الذي قد يبعد الطفل عن الاعتزاز بقيمه الخليجية، أو ولائه وانتمائه لها.

بعد الأسرة يأتي دور مؤسسات التعليم، فعليها مسؤولية مباشرة في تعزيز الولاء والانتماء للمنطقة والدولة، من خلال النشاطات المنهجية واللامنهجية، التي تبني جسور تواصل بين أبناء الدولة، ليكون الاعتزاز الثقافي عاما لا مناطقيا في الدولة الواحدة، ومن ثم ولاء لمنطقة الخليج ككل.

أما الإعلام فتأثيره قوي جدا، ولكنه لا يأتي بشكل مباشر.. لذلك فحبذا لو كانت هناك برامج بقوة " افتح يا سمسم"، بإصداره القديم الذي كان له تأثير إيجابي قوي جدا في أطفال جيل سابق، برامج معصرنة ولكنها جاذبة ذات قيم خليجية أصيلة.. وحبذا أيضا لو يكون هناك تدقيق أكبر يهتم بالكيف، لا الكم العائد من الدراما الخليجية، التي لا تمثل أبدا الواقع الخليجي الجميل، ولا تناقش مشكلاته الاجتماعية بموضوعية!.

أيضا الترفيه والسياحة والرياضة، تأثيرها لا يستهان به، وربما هي ما يستطيع ببراعة أن يفتح لأطفالنا ومراهقينا، نوافذ على الثقافات الأخرى، مع تعزيز تمسكهم بقيمهم وثقافتهم، من خلال جاذبية فعالياتهم المقدمة، بحيث يجعلون أطفالنا ومراهقينا سفراء لها.

الخليج منطقة مهمة على خارطة العالم.. أكرمها الله بخيرات ونعم تجعله مطمعا لكثير من أصحاب الأجندات والمصالح..

قوة الخليج والمحافظة عليه، تكمن - بعد الله - بقوة تمسك أبنائه واعتزازهم به، وهذا لن يكون ما لم نعزز قيمة قدسية أمن الأوطان، ونربي أبناءنا على المسؤولية، فكلنا رجال ونساء أمن، نذود عن أوطاننا بالولاء والانتماء، والمواطنة الصالحة لخليج واحد، وإن اختلفت مسميات دوله، إلا أن جذورا واحدة وتاريخا مشتركا، وأواصر نسب تجمعنا.

وهذه هي الحقيقة التي يجب أن تعيها أجيالنا القادمة وتحافظ عليها.