يعود التعليم لوضعه الطبيعي الأهم بحضور طلاب/ت المراحل الأولى ورياض الأطفال، بعد انقطاع اضطراري لنحو عامين عن الدراسة النظامية بالحضور، على أثر ظروف الجائحة ومتطلباتها الاحترازية التي جعلت التعليم عن بعد الوسيلة الوحيدة لتنفيذ العملية التعليمية لتلك المراحل، رغم ضعف تأثيره وقلة جاذبيته وتضاؤل فائدته مقارنة بالتعليم الحضوري.

يُعد التعليم الحضوري أسلوباً أساسياً لتلك المراحل الدراسية للطلاب/ت، باعتبارها فئة تعتمد بشكل جوهري على التعلم باللعب والمشاهدة والمحاكاة والاحتكاك مع الزملاء، وبالتفاعل الموجه بين الطلاب/ت والمعلمات اللاتي يمثلن القدوة والنموذج الذي يُعلم ويوجه ويراقب ويتابع، إذ يمثل التعليم الحضوري المرحلة الأولى للاندماج المجتمعي، وخلاله يكتسب الطلاب/ت كثيرا من القيم والمبادئ السلوكية في التعامل مع الغير، ويكتسب عادات وأنماطا حياتية قد تستمر معه طوال حياته، لذلك هي مرحلة جديرة بالاهتمام والمتابعة المدروسة.

لم يكن خيار الاستمرار في التعليم عن بعد قابلا للتغيير في ظل انتشار الجائحة، وعدم تحقيق النسبة المطمئنة من الحصانة المجتمعية، بخاصة مع عدم أخذ تلك الفئة اللقاح المخصص، والذي به يمكن تحقيق نوع من الحصانة لهم ولأسرهم باعتبار سهولة نقلهم للفيروس؛ وعليه فإن عودة الدراسة لطبيعتها أصبحت مطلباً مجتمعياً لكثير من الأسر، بل وللأطفال الذين يتوقون لعودة الحياة الطبيعية بكل فاعلياتها ومجالاتها، في ظل الاحترازات القائمة رغم استمرار انتشار الجائحة والزيادة المتوالية لعدد الإصابات المستجدة.

لم تدخر الجهات الصحية جهداً في السعي نحو توفير اللقاحات في المناطق والمراكز كافة، وفي تحفيز المواطنين بشرائحهم كافة على استكمال اللقاحات المطلوبة، والتي امتدت لتشمل الأطفال ما دون 12 سنة لتأهيلهم للعودة إلى الدراسة بأمان، في إطار متابعة تنفيذ الاحترازات المطلوبة من الجهات التعليمية بمراحلها المختلفة.

توافقت السياسة التعليمية مع توجيهات وزارة الصحة في مرونة آلية الدراسة للطلاب/ت في ضوء الحالة الصحية القائمة، والظروف المستجدة للجائحة، بحيث تستمر العملية التعليمية من دون انقطاع يذكر للفصول الدراسية، إيماناً بأهمية استمرار التعليم والحرص على جودته وكفاءته ليشمل جميع المراحل التعليمية.

مع عودة المراحل الأولية للدراسة في الأيام القريبة، ما زال هناك انقسام مجتمعي ما بين التحفيز للعودة والترحيب بها، ومعارضين ورافضين بالنسبة لتلك المراحل، باعتبار أن الجائحة ما زالت موجودة، وأن الإصابات تتزايد يوماً عن يوم، رغم الأخذ بالاحترازات المجتمعية وأساليب الوقاية المطلوبة.

استمرار الجائحة لنحو سنتين وتطور متحوراتها، وتبدلها في جميع أنحاء العالم، فإن الوباء أصبح ليس غريباً على المجتمع، بل أصبح جزءاً من حالته الراهنة، وبذلك تمرس الناس في معرفة المواطن الخصبة للإصابة به، وسبل الاحترازات المطلوب الأخذ بها، على الرغم من أن أخذ اللقاحات لم يمنع الإصابة بالفيروس تماماً، إلا أنه بالتأكيد يقلل من حدة المعاناة، ودرجة الخطر عند الإصابة به، كما تؤكده التقارير الصحية والحالات الغالبة التي أصيبت من المجتمع.

وكما يتضح من المتابعة فإنه على الرغم من ارتفاع نسبة الحصانة المجتمعية، فإن الإصابات واردة ومستمرة رغم تعدد اللقاحات أو بالأحرى استكمال جرعاتها، فإن كورونا أصبح فيروسا منتشرا، شأنه شأن الإنفلونزا وغيرها بخاصة في فصل الشتاء، وعلينا التعايش معه، وأن أخذ اللقاح وسيلة للحد من الإصابة به، أو للتخفيف من معاناة تأثيره عند الإصابة.

عدم اشتراط هيئة الصحة العامة «وقاية» التحصين لاستئناف الدوام الحضوري لتلك المراحل الأولية، مع تحفيز الطلاب على المسارعة لأخذ اللقاحات واستكمال الجرعات؛ فيه دفع مطلوب ومرونة واضحة في تقدير أهمية العودة للتعليم الحضوري، كما أن سياسات وزارة التعليم بأخذ الاحترازات المطلوبة، وتوفير متطلباتها من التباعد والتعقيم ولبس الكمامات والحد من الاختلاط،

هو التزام مسؤول بالحفاظ على الأمن والسلامة، مع الاهتمام بضرورة استمرار العملية التعليمية بوضعها الطبيعي.

احترام وتقدير رغبات الأهالي، وتأكيد حريتهم في اختيار الأسلوب الذي يجدونه مناسباً في المحافظة على صحة أبنائهم، رغم ما تدعو إليه المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل بإلزامية اللقاح للأطفال خصوصا مع عودة التعليم حضورياً،فيه التزام وطني وإدراك عميق بأهمية تقدير الأسرة لدورها الجوهري في التعاون مع الجهات المسؤولة، بأقصى درجات المشاركة في تحقيق الصحة المجتمعية، وفي المضي قدماً نحو تحصيل الجودة في التعليم والتميز المعرفي المرتبط بالحضور الفعلي للطلاب/ت.