عندما يصل الحديث إلى الأدب العربي، تتعدد كتب طه حسين، وأظهرها في التراجم ما كتبه الدكتور طه عن «أبي العلاء»، وفي النقد كتابه الذي أثار ضجة شملت الحياة الأدبية المصرية في حينه، ولم تهدأ حتى سحب الكتاب من السوق، ولم يظهر إلا بعد أن عدل بالحذف والإضافة، حتى اسمه مسه التغيير، وصدر باسم «الأدب الجاهلي».

وكم معركة خاضها طه حسين، واحترق بها بسبب هذا الكتاب.

ومعارك طه حسين الأدبية تاريخ حافل، وهو جزء من تاريخ الحركة الأدبية في مطلع القرن العشرين. وكتاب «في الشعر الجاهلي» له قصة لا تغفل، ففي 1936 في جلسة مجلس النواب، برئاسة سعد زغلول (باشا)، صاح النائب عبدالخالق عطية:

«حدث يا حضرات الأعضاء حادث في الجامعة المصرية»، وتنادى بالويل والثبور وعظائم الأمور..

المهم أتعرفون ما الحادث؟، ولعل الحاضرين يومئذ تساءلوا مثلنا باللفظ أو باللحظ، لأن النائب المحترم قال فيما قال: «هو كتاب «في الشعر الجاهلي»، ذلك الذي تضمن طعنا ذريعا على الموسوية الكريمة والعيسوية الرحيمة، وعلى الإسلام، دين الدولة المصرية بنص الدستور».

ثم ندد النائب بشراء إدارة الجامعة الكتاب، ولو بدعوى منع انتشاره، ثم سانده الشيخ مصطفى القاياتي، فساق نصوصا كثيرة من الكتاب.

ومن الطريف أن الشيخ بعد أن أطال في الاستشهاد، ختم بيانه قائلا:

«إذا لم أطل بينكم الليلة في سرد النصوص الواردة في هذا الكتاب، وذكر الكلمات الشنيعة التي لا تدل إلا على زندقة، فلأنني لا أريد إدخال الحزن على قلوبكم، ولأنى لا أود أن أرى دموعكم تسيل جزءا على دينكم وشرف دولتكم».

وجاء دور وزير المعارف، فاعترف بشراء إدارة الجامعة جميع نسخ الكتاب، وحفظها في مخازنها.

كما اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع طبع نسخ أخرى منه. ولكن هذا الرد لم يرو غلة،

فتقاطرت الاقتراحات:

- اقتراح بإعدام الكتاب كلية.

- اقتراح بإلغاء وظيفة صاحبه (وكأن الوظيفة هي الشخص).

- اقتراح بإحالة المؤلف إلى النيابة العمومية، وإقامة الدعوى ضده.

ولم يلبث النائب عبدالحميد البنان أن قدم بلاغا إلى النيابة العمومية، للتحقيق مع الدكتور طه حسين "فيما كتبه طعنا على الدين الإسلامي".

وقد انتهت هذه الجلسة الصاخبة بطرح الثقة في الوزارة. كما انتهت الضجة بإحالة الدكتور طه حسين إلى النيابة العمومية، للتحقيق معه، ثم عادت الضجة، فرفعت عقيرتها من جديد ولم يمض عام.

ففى مايو 1927، أثار الموضوع محمود رشاد (باشا).

وفى يونيو، أثاره سعيد الرولي (بك) بلا طائل.

وفي يونيو 1927، أثير الموضوع على يد النائب عبدالحميد سعيد، الذي طالب بإبعاد الدكتور طه عن الجامعة، ومحاكمته إداريا، وكان يعضده في المناقشة سعد زغلول.

وفى 5 مايو 1930، أثار الموضوع عبدالعزيز الصوفاني، ودارت حوله مناقشة حادة دون جدوى.

وقد انبثقت عن الكتاب دراسات من مختصين بقصد تقويمه.

ففي 1937، ألفت وزارة المعارف لجنة من أساتذة اللغة والدين، وهم: الشيخ محمد عبدالمطلب والشيخ محمد حسنين الغمراوى (بك) وأحمد العوامري (بك)، وطلبت إليها أن تقدم تقريرا عما إذا كان قد ورد به ما يمس الدين الإسلامي، فانتهت اللجنة إلى إدانة الكتاب.

وقد جر الشعر الجاهلي إلى مهاجمة كتاب الدكتور طه «حديث الأربعاء» في 1932.

ومن الطريف أن النائب الثائر على هذا الكتاب - الدكتور عبدالحميد سعيد - ضم إلى مخاوفه الكثيرة من آثار الدكتور طه حسين خوفه من جمال أسلوبه!، باعتباره «أسلوبا جذابا خادعا خلابا يؤثر في الناشئ المسكين».

وأدت هذه الأزمة إلى إحالة الدكتور طه إلى التقاعد.

وفي هذه المحنة المطبقة، ارتفع صوت العقاد الحر الجرىء، يدافع عن الدكتور طه حسين كما لم يدافع عنه أحد، ولم تثنه حملة سعد زغلول ـ الذي كان العقاد يُكبره ـ على الكتاب مع الثائرين عليه. وقف العقاد يدافع عن حرية الرأي، وحرية البحث العلمي، وعن حرية الإنسان تحت قبة البرلمان في مجلس الشيوخ، وسط بلبلة عاصفة لا تعرف مغبتها.

ولكنه كان قويا، كشأنه دائما، ولم يبال. وكشأنه نبيلا، فلم يدخل حقيقة العلاقة الشخصية أو الفكرية بينه وبين طه حسين، بل ارتفع على الخصومات والمودات، واختار الطريق الأليق به، وهو طريق الحق، وإن كان وعرا شكلا.

1966*

* كاتبة وأكاديمية مصرية «1924 - 2016»