شغفي الكلمات وما يمكن أن يقوم المرء من تلاعب بحيث تحرك العقل؛ تهزه وأحيانًا تنفضه وتجعله يراجع ويبحث ويقيس ويقارن ويستنتج... وعندنا في التراث الكثير من القصص التي تنتهي بما يجعلنا نعود للبداية والتفكير بالرسالة من جديد ولا بد أن مرت عليكم. واليوم سوف أجرب أسلوبًا جديدًا، بالنسبة لي على الأقل، لماذا؟! فقط لأنني اكتشفت أنني أستطيع!

تمنى أن يتطهر من ذنوبه... نزلت عليه المصائب من كل جانب!

قررت أن تبدأ برنامج الحمية... حمت نفسها من الجوع!

إن حقًا فهمت ما أقوله... سأستغرب!

قرأ أن السجائر تضر بالصحة... أشترى «معسل»!

«ارتجف وأشعر بالحرارة تجري في عروقي، أهو الحب»؟...«أغلقي النافذة»!

أراد أن يرتقي بهم فنزل إليهم.... وبقي!

ثابت على مبادئه لا يتزحزح...إلا في موسم الرقص!

إنه إنسان يؤمن بمبدأ التعايش.... مع نفسه!

يكره الإشاعة ويحتقر من يطلقها وللتنبيه منها... ينشرها!

منطق المرء ينقذه... وعند الحوار مع الأغبياء يغرقه!

كن رحيمًا، حلق كالفراشة... وألدغ كالنحلة!

يقطع يدك... ويهديك قفازًا!

والآن بعد ما تذوقتم هذا النوع من الكتابة، جاء وقت الشرح: إنه أسلوب جدي/ ساخر وأفضل من يستخدمه هم مقدمي البرامج الفكاهية والسياسيين، ويطلق عليه «بارابروسدوكيان». أصل الكلمة من اليونانية، «ما وراء + التوقع». يقول أحد الكتاب بأن نصف ما نجده مسليًا يتضمن استخدام حيل لغوية صغيرة لإخفاء موضوع الجملة حتى آخر لحظة ممكنة، بحيث يبدو أننا نتحدث عن شيء آخر!

كنت وأنا أتابع تصريحات المشاهير من السياسيين أو مناظراتهم؛ أستمتع حقًّا حين يفاجئنا المتحدث بجملة تجعلنا نعتقد بأننا في جهة لنجد أننا في جهة أخرى تمامًا! وبهذا يربك المنافس وأحيانًا يتلعثم ولا يعرف كيف يرد. أما أشهر مستخدمي هذا الأسلوب فهو ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، لديه الكثير من المقولات الشهيرة. سأضع لكم البعض منها: «يمكنك دائمًا الاعتماد على الأمريكيين لفعل الشيء الصحيح... بعد أن جربوا كل شيء آخر»، «ذوقي بسيط... أنا راضٍ عن أفضل الأشياء»، «لديه كل الفضائل التي لا أحبها ولا شيء من الرذائل التي تعجبني»، «هناك قدر هائل من الأكاذيب حول العالم... وأسوأ جزء هو أن نصفها صحيح»، «إن أكبر درس في الحياة هو معرفة أنه حتى الحمقى على حق في بعض الأحيان»، السيدة نانسي أستور: وينستون، لو كنت زوجي، لكنت سممت الشاي الخاص بك. تشرشل: «نانسي، لو كنت زوجك، لكنت شربته»، «أنا أقوم بإعداد ملاحظاتي... المرتجلة»، «لم أصب بعسر الهضم...من أكل كلامي».

وإليكم متفرقات مما وجدته من آخرون: يبدأون نشرة الأخبار المسائية بعبارة «مساء الخير»، ثم يشرعون في إخبارك لماذا ليس الأمر كذلك، الفرق بين الغباء والعبقرية أن العبقرية لها حدود، لا تجادل أحمق... سوف يسحبك إلى مستواه ويغلبك بالخبرة، الضوء يسافر أسرع من الصوت... هذا هو السبب في أن بعض الناس يبدون مشرقيين حتى تسمعهم يتحدثون، كلا، أنا لا أتفق معك، يمكنني ذلك... ولكن بعد ذلك سنكون سويًا على خطأ، آخر شيء أريد أن أفعله هو ما يؤذيك... لكنه لا يزال على القائمة، تتميز الدلافين بالذكاء... لدرجة أنه في غضون أسابيع قليلة من الأسر، يمكنها تدريب الناس على الوقوف على حافة حوض السباحة ورميهم بالسمك، لم أقل إنه كان خطأك... قلت إنني كنت ألومك، لماذا يصدقك الفرد عندما تخبره أن هناك أربع مليارات نجمة، لكن يتأكد بنفسه عندما تخبره بأن الطلاء على المقعد ما زال مبللًا؟ وراء كل رجل ناجح امرأة...وعادة ما تكون وراء سقوط كل رجل ناجح امرأة أخرى، وراء كل رجل ناجح... امرأة مندهشة، غالبًا ما يكون ارتياح الضمير علامة على وجود... ذاكرة ضعيفة، أنا بالتأكيد اعتدت أن أكون مترددًا، ولكني... الآن لست متأكدًا، للتأكد من إصابة هدفك، أطلق أولًا ثم سمي ما تصيبه هدفًا، حيثما يوجد دخان... غالبًا ما يكون هناك شخص ما ينفخه، اقتراض المال من المتشائم... فهو لن يتوقع منك إعادته، بعض الناس يسببون السعادة أينما ذهبوا... الآخرين متى ما ذهبوا.

حتى في الأدب تم استخدام هذا الأسلوب، كمثال بدأ تشارلز ديكنز كتابه «قصة مدينتين» بسلسلة من الجمل كالتالي: «كانت أفضل الأوقات، كانت أسوأ الأوقات، كان عصر الحكمة، كان عصر الحماقة، كان عصر الإيمان، كان عصر الشك، كان موسم النور، كان موسم الظلام، كان ربيع الأمل، كان شتاء اليأس، كان كل شيء أمامنا، ولم يكن لدينا شيء، كنا ذاهبون مباشرة إلى الجنة، وكنا نسير جميعًا في الاتجاه الآخر... »، وهذا مثال آخر من كاتب قصص الرعب «ستيفن كينج»: «لدي قلب طفل صغير... في وعاء زجاجي على مكتبي»، طبعًا القائمة تطول خاصة إن أدرجنا الشعر والمسرحيات.

جمعت في هذه المقالة بعضا من الأمثلة من مصادر مختلفة، لكن لا بد أن الفكرة قد وصلت إليكم، فإن أراد أحدكم أن يلون كتابته أو يفاجئ المستمع ويجعله يتوقف ويعود إلى أول الجمل ويعيد التفكير، ليقم بدراسة هذا الأسلوب والتدرب عليه، سيجد أن الأمر بجانب أنه متعة، يحرك الذاكرة ويشغل العقل ويدربه، ومن يدري قد يكون أحدكم مهتما بالأدب أو السياسة ويشغل الحضور كما فعل يومًا الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، في تصريحاته أو تعليقاته التي تعتمد على هذا الأسلوب، وللأسف تمنيت لو أنني أذكر لكم بعض منها رغم أنني متأكدة أنها مرت علي خلال متابعته على وسائل الإعلام في حينها، لكن للأسف بحثت ولم أجد أنه قد تم رصدها في كتاب أو حتى تقديمها في دراسة تفيد من هم اليوم في هذا المجال!